هل أدب الواقعية السحرية انفصال عن الواقع!
أضيف بواسطة: , منذ ٤ أعوام
الوقت المقدر لقراءة التدوينة: 3 د

إنّ قرّاء العالم بشكل عام، لديهم اتفاقات شاملة نوعاً ما حول بعض الأشكال الأدبية وبعض الروايات ومؤلفيها، هناك نوع من الاتفاق الجمعي الخفي للمتعة والفائدة، لكن مع نمط رواية الواقعية السحرية، تبدأ سلسلة من التصادمات الثقافية حتى بين الأشخاص المتفقين أنفسهم على أغلب أعمال الأدب العالمي.

من أين خُلق هذا الاختلاف الثقافي والجوهري لنفس العقل تقريباً المتفق على أغلب النصوص الأخرى في العالم؟. هل هو وعي جديد أم أن الأمر يعود لجوهر هذا النمط الأدبي؟.

هناك أمر أساسي لفهم طبيعة النص الروائي في الواقعية السحرية كي نكون قادرين على اكتشاف خفاياه والاستمتاع به؛ وهو أن العوالم التي تتصف بها الشخوص وقدرتها الشبه ما ورائية هي الإطار الذي يبنى عليه الجوهر النقدي للمجتمع والسلطة، وهذا ما يمكننا إيجاده في الأيقونة الأولى لهذا النوع الأدبي في مئة عام من العزلة لماركيز، وأغلب أعمال إيزابيل الليندي أو بورخيس أو أستورياس أو حتى بارغاس يوسا وبينديتي في بعض الأعمال. والمُلاحط هنا أن هذا الشكل هو وليد المنطقة الأمريكية اللاتينية في فترة الخمسينيات وما بعد، وهي ببساطة مرتبطة بالصراعات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي ألمّت بتلك المنطقة في تلك الحقبة الزمنية، وعليه تكون الواقعية السحرية في جوهرها هي نقد سياسي واجتماعي للسلطة في تلك الدول، قبل أن تكون نمطاً للغرائبية كما يُروج لها اليوم.

القانون الرئيسي للواقعية السحرية هو فكرة صناعة العمل من الواقع وفي الواقع وليس امتداده الواقعي، هو عملية إعادة خلق شخوص حقيقية لكن لها ميزات أكثر من شخوص الواقع من حيث المعالجات النفسية والدراماتيكية المتطورة، أو ما يمكن أن نسميه مجازاً (حبكة الأكشن). ففي أغلب الأعمال نراقب عن كثب تلك الحركة الدرامية في العمل التي تتطور لينتج منها صيغ فلسفية حول الموت والحياة بأسلوب هزلي في كثير من المواقع.

هذا المزيج الفريد بين الواقع والأسطورة، والكوميديا والتراجيديا، والهزلية التهكمية والفكاهة والجدية العميقة، والإنسانية والعنف المؤثر. هذه التكوينات التي نشاهدها في كل أعمال الواقعية السحرية هي بمثابة رد صريح اتجاه الواقع الذي يتحطم في الصراعات السلطوية، فنتج عنه تلك الرؤية التناقضية للشخوص والأمكنة وتطوراتها. إنها عملية تطوير الخرافة والحكاية الشعبية وإسقاطها على ما تعانيه الشعوب في حيواتها.

إن عدم فهم هذا العمق في أدب الواقعية السحرية قد يصل بالقارئ إلى مستوى من الإحباط وعدم الفهم في كثير من المواضيع، وهو ما يسبب اختلاف جوهري بين القراء والمثقفين على هذا الشكل الأدبي وتقبله. وبطريقة ما يمكن اعتبار هذا السحر هو تجاوز لكثير من المحرمات في مراحل متطورة كما لدى يوسا، إنه لم يكتفي بالنقد والإسقاط الأسطوري على الواقع بل دخل لعمق المفاهيم الاجتماعية.

وقد تطورت هذه الرؤية لتخرج من أمريكا اللاتينية وتمتد إلى مستويات في بلاد أخرى كتجارب فردية في أمريكا مثلاً مع أليس هوفمان، أو في الأدب الهندي الانكليزي مع سلمان رشدي، كنمط يمتزج فيه الخيال بالواقع دون أن يتصادم مع المفهوم الذي نشأ به أدب الواقعية السحرية كما في أمريكا اللاتينية وهو السلطة ونقدها. لقد تطور خارج تلك البقعة بشكل حافظ فيه على آليته الخيالية دون أن يغرق في البنية النقدية.

وعليه تكون الواقعية السحرية كنمط أدبي هي جوهر الواقع وليست انفصالاً عنه، إنه إعادة خلق التاريخ والتجربة بطريقة ذكية جداً، لم تتجاوز الواقع فقط، بل تجاوزت مفهوم الأدب الكلاسيكي ومدارسه ومذاهبه، إنها عملية أكثر تحرراً إزاء المعطى النفسي للقارئ.

تدوينات أضيفت مؤخراً
بين الكتب والقرّاء