ماذا تفعل النساء عندما يشاهد الرجال كرة القدم؟
أضيف بواسطة: , منذ ٦ أعوام
الوقت المقدر لقراءة التدوينة: 5 د



يقول تشارلز بوكوفسكي: "النساء! أحب ألوان ثيابهن، طريقة مشيتهن، القسوة في وجوه بعضهن، وبين الحين والحين الجمال شبه الكامل لوجه آخر كامل الأنثوية وساحر. أنهن متفوقات علينا، يخططن أفضل بكثير، وهن أكثر تنظيماً وبينما يشاهد الرجال مباريات كرة القدم أو يحتسون الجعة أو يلعبون البولنغ، كانت النسوة في المقابل يفكّرن فينا، مركزات يدرسن ويقررن، إما قبولنا أو نبذنا، أو استبدالنا، قتلنا أو بكل بساطة هجرنا في النهاية بالكاد كان لكل هذا أدنى أهمية، إذ مهما فعلن،  ينتهي بنا الأمر وحيدين مجانين".


أذكر عندما كانت شاشة التلفاز تمتلئ باللون الأخضر وتطلق صافرة الحكم معلنة بدء المباراة ويعلن في منزلنا فترة حظر تجول، كان والدي وعمي وإخوتي يجتمعون لمشاهدة المباراة، رغم مطالبة جدتي بإخفاض الصوت قليلاً وبعدم الصراخ كلما ضاعت الكرة أو شتم الحكم بكلمات بذيئة عندما يعلن أن الهدف كان تسلل، إلا أنها كانت مستمتعة بذلك الطقس الرجولي.. أما أمي فكانت الأكثر سعادة بين الجميع.. إنها فرصتها الوحيدة لتحبس جميع هؤلاء الذكور في مكان واحد ليخلو لها بعد ذلك المنزل بأكمله وتكمل ما لديها من أعمال وهي تستمع للراديو أو تسجيلات الكاسيت دون إزعاج أو مطالب.. 


لليوم مازلت أحب ليس متابعة كرة القدم بحد ذاتها بل متابعة طريقة الرجال في متابعتها، كيف يصرخون، يقفزون، يتحمسون، يلعنون، يشتمون أبناءهم عندما يمرون أمام الشاشة فتضيع منهم لحظة حاسمة، أحب هذه الفترة التي تجعلهم معزولين عن الواقع والعالم لدرجة أنك يمكن أن تتحدثين إليهم دون أن يسمعوك أو يفهمون ما تقولين. في هذه الساعتين من الزمن يستعيدون من خلالها طفولتهم وشبابهم عندما كانوا يلعبون الكرة في الشارع، عندما مزق والدهم أول كرة لهم، عندما حجزتها جارتهم العجوز الشمطاء لأنها دخلت بيتها دون استئذان وراحوا يتوسلون إليها لاستعادتها، ذلك الزمن عندما كانوا ما يزالون شبان سعداء أقوياء بأجسام صحية جميلة وبدون مسؤوليات.


كرة القدم تمنح الرجال الفرصة للتعبير عن البهجة، العنف، الحماس، المقامرة، والهروب من سلبيات الحياة ومن خساراتها والأهم من كل ذلك أنها تمنحهم ساعتين كاملتين من الحرية والمتعة بعيداً عن النساء، إنها هروبهم المؤقت من المسؤوليات والصراخ والشتائم المتبادلة، لهذا قد أجد أنه من المبالغ فيه ومن غير المقبول منطقياً أو جمالياً أن تصبح امراة مشجعة كبيرة ومهتمة بشكل مبالغ فيه في متابعة كرة القدم وإلا ستسلبهم بذلك شعورهم بالتفوق المطلق في هذا المجال:

- يا لك من غبية أيمكن أنك لا تفرقين بين رمية التماس والضربة الركنية؟

- نعم ياعزيزي ولكني أعرف تماماً أنك لم تسجل أية أهداف هذا الشهر وتستحق البطاقة الحمراء هذه الليلة أيضاً!


إضافة لما ذكره بوكوفسكي بأننا نمضي الوقت الذي ينشغل فيه الرجال بالكرة بالتفكير فيهم، فإننا نفعل أشياء كثيرة ، نقرأ الكثير من الكتب، نشاهد أفلاماً رومانسية دون أن يسخر أحد من دموعنا "أمن أجل فيلم؟!" نعم من أجل فيلم فأنت عندما تصرخ وتنفعل لن أقول: "أمن أجل كرة؟!"  ، نذهب للتسوق (بالتأكيد لن يرفض لك أي طلب مقابل ساعتين من الحرية ) والأهم.. ننتظر صافرة النهاية لنبدأ بالكلام من جديد..

وعلى أي حال فالرجال الذين يحبون الرياضات بأنواعها والذين يشجعون فريقهم المفضل ويتعلقون بهوس "بمجرد كرة قدم" هم رجال أكثر إثارة وأكثر طيبة وأكثر حناناً..


رغم محبة الجميع لكرة القدم ولكن جميع الآباء تقريباً لن يوافقوا أن يتفرغ أبناءهم للعب كرة القدم وجميع الآباء سيرفضون تعلق أبناءهم بالكرة بشكل يزيد عن مجرد التسلية. أن تكون متفرجاً شيء وأن تكون مشاركاً شيء آخر تماماً. حتى فكرة الربط بين الثقافة والرياضة قد نستبعدها تماماً. فمن يلعب لا يفكر ، ومن يفكر لا يلعب هذه هي الصورة النمطية المتعارف عليها.. بينما نجد أن عدداً كبيراً من الأدباء والمفكرين كانوا يمارسون نوعاً من الرياضة بل وكان البعض منهم لاعباً في فريق كرة قدم أو السلة. نذكر منهم:


تشارلز بوكوفسكي كان مهووساً بسباقات الخيل. ( كان يتابع ويقامر فقط ولا يمارس أي لعبة)

إرنست همنغواي  يهوى الملاكمة والمصارعة.

جون شتاينبك  يمارس مصارعة التماسيح.

فيرجينيا وولف تحب لعبة الكريكيت.

روالد دال لعب كرة القدم والملاكمة والسكواتش.

لورد بايرون الشاعر الرومانسي الذي كان يعشق السباحة والكريكيت والمبارزة بالسيف.

جيم كارول الكاتب والشاعر الأميركي كان أفضل ما عرف به كتابه: "مذكرات كرة السلة" الذي تحول لفيلم سينمائي ووصفه جاك كرواك بقوله: "إنه أفضل نثر كُتب من بين 89% مما يكتبه الروائيون اليوم".


تولكين لعب التنس حتى عمر الأربعين ولم يوقفه عن اللعب سوى إصابة كاحلته التي حبسته في غرفته فما كان أمامه سوى اللجوء لخياله وكتابة "الهوبيت" و"سيد الخواتم".


جاك كيرواك  الذي لعب أثناء دراسته الثانوية في فريق كرة القدم في مدينة لوويل في ماساتشوستس فحصل بعدها على منحة دراسية كاملة لكرة القدم في كولومبيا. كان كرواك مدافعاً سريعاً ورشيقاً كما وصفته إحدى المجلات.


ألبير كامو كتب مرة: "كل ما أعرفه عن الأخلاق والواجبات أنا مدين به لكرة القدم". كانت هنالك شائعات تقول أن كامو لعب حارس مرمى للفريق الوطني الفرنسي، لكنه في الواقع لعب فقط مع فريق فني مبتدئ.


صموئيل بيكيت جاء في خبر نعي صحيفة نيويورك تايمز للأديب صاموئيل بيكيت العنوان التالي: "نجم في الدراسات والرياضة". كان بيكيت عبارة عن مزيج من لاعب كركيت وروغبي وملاكم من الوزن الخفيف تحول كل ذلك إلى روائي ومسرحي ومخرج. ظل بيكيت يحب لعبة الكركيت فترة طويلة حتى بعد توقفه عن اللعب وعندما نال جائزة نوبل في الأدب عام 1969 حصل على تميز مزدوج بوصفه "أول لاعب كريكيت من الطراز الأول ينال جائزة نوبل".


فلاديمير نوباكوف تعلم نوباكوف التنس والملاكمة في برلين لكنه وصف كرة القدم بأنها "حب حياته الكبير" وكتب بتأثر شديد عن الأيام التي كان فيها حارس مرمى في كامبريدج في كتابه: "تكلمي أيتها الذكريات".


بالطبع هؤلاء فقط بعض أشهر الأدباء ممن لعبوا كرة القدم أو نوعاً آخر من الرياضات. قد نجد من المعقول لأدباء مثل جون شتاينبك وإرنست همنغواي ونوباكوف أن يحبوا الرياضة ويمارسوا ألعاباً خشنة كنوع من التفريغ لطاقات بدنية قد تجعلها الكتابة والقراءة أكثر حدة، فهمنغواي يعترف أنه يحتاج بعد جلوسه لساعات طويلة وراء طاولة الكتابة للخروج وتحريك جسده وتفريغ الكبت الذي تولده الكتابة التي هي شكل من أشكال الصراخ المكتوم. أما فلاسفة وأدباء عدميين أو وجوديين مثل ألبير كامو وصاموئيل بيكيت فكيف يمكن أن نفهم تعلقهم برياضة بدنية أو "مجرد لعبة"؟!


تدوينات أضيفت مؤخراً
بين الكتب والقرّاء