مارسيل بروست يفضل أن يصادق أريكة!
أضيف بواسطة: , منذ ٨ أعوام
الوقت المقدر لقراءة التدوينة: 3 د


مارسيل بروست روائي فرنسي (1871-1922) والده طبيب وأخوه طبيب،أما هو فقد اعتبر الشخص الفاشل العليل في عائلة تمثل مهنتها النجاح والسعادة. كان بروست يشعر بالنقص تجاه والده ويقول أنه يتمنى لو استطاع أن يفعل لقراء أدبه ما استطاع والده تحقيقه لمرضاه من خلال الطب.

أهم أعماله  رواية "البحث عن الزمن المفقود" التي تتألف من سبعة مجلدات.. قراءة بروست ليست بالأمر السهل فهو يسهب في الوصف والتفاصيل الدقيقة لدرجة أنه يكتب ثلاث صفحات ليصف تقلب شخصية في فراشها قبل النوم، لهذا يعلّق أخاه على الرواية قائلاً: "ما يحزن هو أن على الناس أن يمرضوا أو يكسروا ساقاً كي تتاح لهم فرصة قراءة "البحث عن الزمن المفقود".

روايته هذه التي يطلق عليها في فرنسا اسم (العمل - النهر) هناك أكثر من مليون ونصف كلمة، و2000 شخصية، وقد باتت واحدة من أهم الأعمال الأدبية في العالم رغم اختلاف الناشرين والنقاد والقراء حولها لاعتقادهم أن الحياة أقصر من قراءة هذا العمل.


في كتاب "كيف يمكن لبروست أن يغير حياتك" يقرأ الباحث السويسري آلان دو بوتون في حياة وأعمال مارسيل بروست وآراءه في الحب والصداقة والكتب وإلى أي مدى هناك تطابق بين ما كتبه في عمله الروائي الذي استمد معظم شخصياته من الواقع، وبين أسلوب حياته وطريقة تفكيره في حياته اليومية وعلاقاته بالآخرين. ورغم أن لديه العديد من أصدقاءه قد شهدوا له بحسن ضيافته وكرمه ولباقته، إلا أن لبروست آراء صادمة فيما يخص الصداقة إذ كان يؤمن:

.

- أن من الأفضل له لو أنه صادق أريكة:

"الفنان الذي يقتطع ساعة من العمل من أجل ساعة من الحديث مع صديق يعلم أنه يضحّي بواقع مقابل أمر ليس موجوداً، فأصدقاؤنا ليسوا أصدقاء إلا في ضوء حماقة معترف بها تستمر معنا طوال حياتنا، ونؤقلم أنفسنا عليها، ولكن نعلم في قرارة قلوبنا أنها ليست أكثر عقلانية من توهم الإنسان الذي يتحدث مع الأثاث لأنه يظن أنه حي".

.

- أن التحدث نشاط عقيم:

"المحادثات، التي تعد وسيلة التعبير عن الصداقة، استطراد زائف لا يمنحنا شيئاً يستحق الاكتساب. قد نتحدث طوال حياتنا من دون أن نكون قد قمنا بأكثر من التكرار المتواصل لفراغ دقيقة واحدة".

.

- أن الصداقة جهد ضحل:

".. مصمم بحيث يدفعنا إلى التضحية بالجزء الحقيقي والعصي على التواصل الوحيد من أنفسنا (إلا عبر الفن) لصالح ذات ذائفة".

.

- أن الصداقة في نهاية المطاف ليست أكثر من :

".. كذبة تعمل على جعلنا نظن أننا لسنا في وحدة قاتلة".

.

هذا لا يعني أنه قاسي القلب. ولا يعني أنه كاره للبشر. ولا يعني أنه لم يحس يوماً بدافع إلى رؤية الأصدقاء (دافع كان قد وصفه بكون "رغبة ملحة لرؤية الناس تهاجم الرجال والنساء على حد سواء وتثير في المرء توقاً للرمي بنفسه من النافذة باتجاه المريض الذي كانت عائلته وأصدقاءه قد حبسوه في عيادة معزولة)".

.

ولهذا كانت القراءة والكتابة بالنسبة له أهم من الأصدقاء، وكان يفضل التكوم في سريره بين أغطيته حيث "قضى السنوات الأربع عشرة من حياته مستلقياً في سرير ضيق تحت كومة بطانيات صوفية خفيفة يكتب رواية طويلة على نحو غير معهود من دون مصباح جيد بجانب سريره".

شبّه بروست الصداقة بالقراءة، لأن كلا النشاطين يستلزمان الاجتماع مع الآخرين، ولكنه أضاف أن للقراءة ميزة جوهرية:

في القراءة، تعود الصداقة فجأة إلى نقائها الأصلي. ليس ثمة ودّ زائف حيال الكتب. حين نقضي المساء مع هؤلاء الأصدقاء، فهذا لأننا نرغب بذلك حقاً.

ولكن في الحياة، غالباً ما نُلزَم بتناول العشاء مخافة أن تنهار صداقة نحرص عليها لو رفضنا الدعوة، وجبة منافقة مفروضة علينا بفعل إدراك حساسية أصدقائنا التي لا مبرر لها، والحتمية برغم هذا. يا لمقدار الصدق الذي نكون فيه مع الكتب. هناك، على الأقل، يمكننا أن نتجاهلها عندما نشاء، أو أن نبدي الملل، أو نختصر حواراً كلما دعت الضرورة. ولو منحنا فرصة قضاء أمسية مع موليير، حتى هذا الساخر العبقري كان سيرغمنا على اغتصاب ابتسامة مجاملة، ولهذا عبر بروست عن تفضيله للقاء المسرحي الورقي لا المسرحي الفعلي. فعلى الأقل، في صيغته الورقية:

لن نضحك على ما يقول موليير إلا إذا وجدنا هذا فكاهياً، وحين يشعرنا بالملل لن نخشى إظهار الملل، وحين نكتفي منه سنعيده إلى مكانه بنزق كما لو أنه ليس عبقرياً أو مشهوراً.

.
تدوينات أضيفت مؤخراً
بين الكتب والقرّاء