لصوص النصوص: في آداب إعارة الكتاب!
أضيف بواسطة: , منذ ٨ أعوام
الوقت المقدر لقراءة التدوينة: 11 د

اختلف محبو الكتب قديماً بين راغب في إعارة كتبه ومعارض ومتردد. ومن أشهر ما قيل في هذا الشأن:

ألاَ يا مستعير الكتب دعني * فإن إعارة الكتب عار

فمحبوبي من الدنيا كتابي * وهل رأيت محبوباً يعارُ


وقال آخر:

أيها المستعير مني كتاباً * إن رددت الكتاب كان صواباً

أنت والله إن رددت كتاباً * كنت أعطيته أخذت كتاباً


وقال مسافر بن محمد البلخي:

أجودُ بِجُلِ مالي لا أُبالي * وَأبْخلُ عندَ مسألةِ الكِتابِ

وذلكَ أنني أفْنيْتُ فيه  * عزيزَ العُمرِ أيَّامَ الشبابِ


وقال أبو حفص عمر بن عثمان الشعيبي:

لا تمنعنَّ الأهلَ كُتبكَ واغْتنم * * في كُلِ وقتٍ أنْ تُعيرَ كتابا

فَمُعِيرها كَمُعِيرِ ماعونٍ فمن * * يَمْنَعْهُ لاقى الويل والأنصابا


وقال آخر:

إني حلفتُ بربِ البيتِ والحرمِ * * هَلْ فوقَها حلفةٌ تُرجى لذي قَسَمِ

أنْ لا أُعيرَ كتاباً فيه لي أَرَبٌ * * إلا أخا ثِقةٍ عندي وذا كرمِ


ويقول الشيخ صالح آل الشيخ:

لا تعيرنَّ كتابًا *** واجعل العُذر جوابًا

من أعارنَّ كتابًا *** فلعمري ماأصابا.


ومنهم من جعل أبياتاً في رقعة فإذا جاءَ من يطلبُ الإعارةَ دفعَ إليه الرقعة:

ألا أيُّها المستعيرُ الكتابَ * ألا ارجعْ بغيرِ الذي تطلبُ

فلمسُ السماءِ وأخذ النجوم * بكفِكَ من أخذه أقربُ

فدُمْ ما بقيتَ على اليأسِ منهُ * فليسَ يُعارُ ولا يوهبُ

ومن كان يغضبُ إنْ لم يُعَرْ * فقُلْ من قريبٌ له يغضَبُ

إذا أنا كُتبي أعرتُ الصديقَ * ثلاثةُ أرباعها يذهبُ

فما كلُّ يومٍ أنا واجدٌ * كتاباً ولا كاتباً يكتبُ


أما أبي الكرم خميس بن علي الحوزي فيقول:

كُتبي لأهلِ العلمِ مبذولةٌ  * أيديهم مثل يدي فيها

متى أرادوها بلا منةٍ  * عاريةً فليستعيروها

حَاشَاي أنْ أكْتُمَها عنهمْ  * بُخلاً كما غيري يُخفيها

أعارنا أشْياخُنا كُتْباً * وسنَّةُ الأشياخِ نُمضيها

 

ومنهم من يضع شروطه ومن ذلك قولهم:

أيها المستعير مني كتابا * ارض لي منه ما لنفسك ترضى

لا ترى رد ما أعرتك نفلا * وترى رد ما أعرتنيه فرضا


وفي ذلك قال آخر:

أعر صديقك ما حصلت من كتب * تفز بشكر أريج النشر من كتب

فإن أعاروك فارددها على عجل * حتى تعار بلا منع ولا نصب


وبعضهم قد يطلب رهناً من الفضة أو الثياب!

يامستعير كتابي لا تكثرن عتابي* إلا برهن وثيق من فضة أو ثياب


ومنه أيضاً قول آخر:

جل قدر الكتاب يا صاح عندي * فهو أغلى من الجواهر قدرا

لن أعير الكتاب إلا برهن * من نفيس الرهون تبرا ودرا


ومنهم من يمتنع عن الإعارة منعاً لفساد العلاقة مع الأصدقاء، إذ يقول :

كم كتاب أعرته زعموا أنه ذهب

فإذا ما طلبته أوجب الصد والغضب


ومنهم من يبخل بـ(كتبه) و(خيله) فلا يطيق إعارتهما لأحد، كالأمير أبي سعد العاصمي إذ يقول :

لا تستعر شيئين مني، صاح * وسواهما فاطلب تفز بنجاح

أما (الكتاب) فإنه لي مؤنس * وإعارة (المركوب) فهو جناحي


وقال آخر:

إذا استعرتَ كتابي وانتفعتَ به * فاحذرْ وقيتَ الردى منْ أنْ تؤخرَهُ

فاردده لي سالماً إني شُغِفْتُ به * لولا مخافة كتم العلمِ لمْ تَرَهُ !


وحبس رجلٌ على الحمدوني كتباً استعارها منه فكتب إليه :

ما بال كتبي في يديك رهينةً * حُبست على كر الزمانِ الأولِ

فأذن لها في الإنصرافِ فإنها * كنز عليه إذا افتقرتُ مُعوَّلي

ولقد تعنَّت حين طال مقامها * طال الثواءُ على رسوم المنزلِ


وقال سليمان بن حسن الناسخ الفيومي في تقاضي كتاب أعاره:

قد وربِّ الكتابِ يا أَكرمَ النا .. سِ جميعاً، أَتْعَبْتَ ربَّ الكتابِ

وتمادَى تردادُهُ وتقاضيه .. وما يَشْتَكي منَ الأَوْصَاب

فتفضلْ وامْنُنْ ونَفِّسْ خِنَاقِي .. واعْفِني من تَكَاثُرِ الطُلاَّبِ

 

- قال الإمام الخطيب: "ولأجل حبس الكتب امتنع غير واحد عن إعارتها".

- وقال سفيان: "لا تعر أحداً كتابك".

- وقال الربيع بن سليمان: "كتب إلي البوطي: احفظ كتابك، فإنه إن ذهب لك كتاب لم تجد بركة".

- ومع هذا فقد قال يونس بن يزيد: قال لي الزهري: "إياك وغلول الكتب، قال: وما غلولها، قال: حبسها عن أهلها".

- قال ابن الجوزي: "لينبغي لمن ملك كتاباً أن لا يبخل بإعارته لمن هو أهله، وكذلك ينبغي إفادة الطالبين بالدلالة على الأشياخ، وتفهيم المشكل، فإن الطلبة قليل وقد عمهم الفقر، فإذا بخل عليهم بالكتاب والإفادة كان سبباً لمنع العلم".

- وقال سفيان الثوري: "تعجلوا بركة العلم، ليفد بعضكم بعضاً فإنكم لعلكم تبلغون ما تؤملون".

- وقال وكيع بن الجراح: "أول بركة الحديث إعارة الكتب".

- وقال ابن المبارك: "من بخل بالعلم ابتلي بثلاث: 1-إما أن يموت فيذهب علمه، 2-أو: ينساه: 3-أو: يتبع السلطان".

- وقال بعضهم: "لا تعر كتابك إلا بعد يقين بأن المستعير ذو علم ودين".

- وكان بعضهم إذا سأله إنسان أن يعيره كتباً قال: "أرني كتبك، فإن وجدها مصونة مكنونة أعاره وإن رآها مغبرة متغيرة منعه".

- ومن طرائف ما يروى في إعارة الكتب واستعارتها والمحافظة عليها أن رجلاً استعار من أبي حامد الإسفراييني كتاباً، فرآه أبو حماد يوماً وقد أخذ عليه عنباً ثم إن الرجل سأله بعد ذلك أن يعيره كتاباً، فقال: تأتيني إلى المنزل، فأتاه، فأخرج الكتاب إليه في طبق وناوله إياه، فاستنكر الرجل ذلك، وقال: ما هذا؟ فقال له أبو حامد: هذا الكتاب الذي طلبته وهذا طبق تضع عليه ما تأكله. فعلم بذلك ما كان من ذنبه.

- وسأل رجل رجلاً أن يعيره كتاباً فقال: علي يمين ألا أعير كتاباً إلا ببرهان، قال: هذا كتاب استعرته من فلان فأتركه رهناً عندك. فقال: أخاف أن ترهن كتابي كما رهنت كتاب غيري.

- وقال الإمام أبو داود: قال وكيع–بن الجراح: "قد نهيت أبا أسامة أن يستعير الكتب، وكان قد دفن كتبه".

- وقال الإمام الآجري: "سمعت أبا داود يقول: ذهب الفضيل بن سليمان والسنتي إلى موسى بن عقبة فاستعارا منه كتاباً فلم يرداه".

- قال ابن جماعة في كتابه "تذكرة السامع والمتكلم": "ويستحب إعارة الكتب لمن لا ضرر عليه فيها ممن لا ضرر منه عليها".

- وقال الشيخ عمر الحدوشي في كتابه "كيف تطلب العلم؟": "ضاعت لنا كتب كثيرة أخذها ممن لا يخاف فالله منا إعارة فلا رجعت ولا رجع المستعير، حتى ما رجع منها رجع ملطخاً بالمداد والمرق والوسخ، وأذكر أن طالباً استعار مني كتاب "شرح صحيح مسلم للنووي" فوضع فوقه دواة مليئة بالمداد وتركها مفتوحة فجاء ولده الصغير فصبها على الكتاب فأخبرني بما فعل ولده فقلت له: هو لك هدية، أمثلة أخرى في إضاعة الكتب كثيرة".  وذكر أيضاً أن أحدهم استعار منه المجلد (22) و(23) من (مجموع الفتاوى) فلم يرجعهما-ولا هو رجع-فبقي الكتاب مبتوراً، فاضطر لشراء الكتاب مرة ثانية أقل جودة من الكتاب الضائع.

- وهذا الشيخ العلامة أبو أويس فتح مكتبته لكل طالب وباحث لم ينج من - لُصوص النُّصُوص- فقد كتب يشكوهم ويتأسف على فعلهم فيقول: "... وابتُليتُ ببعض من لا يخشى الله من الطلبة فسرقوا من المكتبة كتباً، وبتروا أخرى، وحتى الأقلام أخذوا منها، ولا أدري من؟".


ولإعارة الكتب آداب منها:

1-      شكر المعير والدعوة له بالخير.

2-      لا يطيل مقام الكتاب عنده من غير حاجة.

3-      لا يحبسه إذا طلبه المالك أو استغنى عنه.

4-      على المستعير ألا يكتب شيئاً في بياض فواتحه أو خواتمه إلا إذا علم رضا صاحبه أو إذا استأذنه في ذلك.

5-      لا يعيره غيره إلا بعد الاستئذان.

6-      لا يجوز له أن يصلحه إلا بإذن صاحبه.

7-      لا يجوز له أن يكتب عليه تعليقات أو تصحيحات بغير إذن صاحبه.

8-      على المستعير أن يتفقَّ الكتاب قبل أخذه وقبل رده حتى يتأكد من سلامته.


قال ابن جماعة: "وينبغي للمستعير أن يشكر للمعير ويجزيه خيراً، لا يطيل مقامه عنده من غير حاجة، بل يرده إذا قضى حاجته، ولا يحبسه إذا طلبه المالك أو استغنى عنه. ولا يجوز أن يصلحه بغير إذن صاحبه، ولا يحشيه، ولا يكتب شيئاً في بياض فواتحه أو خواتمه إلا إذا علم رضا صاحبه، ولا يعيره غيره، ولا يودعه لغير ضرورة".

..

وأنت ما رأيك؟ هل ما زلت راغباً في إعارة كتابك؟




منقول من موقع أهل الحديث بتصرف

اقرأ أيضاً أساليب المحافظة على الكتاب

تدوينات أضيفت مؤخراً
بين الكتب والقرّاء