(1)
السبيل الأضمن لتخفي عن الآخرين حدود علمك، هو ألا تتخطاها.
(2)
ليس ثمة علامة أعظم على كون امرئِ قليل الفلسفة والحكمة، من أنه يريد للحياة بأسرها أن تكون مفلسفة وحكيمة.
(3)
في هذا العالم، الناس الذين يشار إليهم بالتقى هم أولئك الذين تستطيع دون أن ترجو منهم خيراً، ألا تخاف منهم شراً.
(4)
اللوذ بالصمت أثناء المحادثة، هو شيء جميل ومحبب عندما تكتشف أن الشخص الصامت يملك، عندما يُسأل، الجرأة والأسلوب في الكلام.
(5)
يقول لابرويير (وهو كاتب مقالات فرنسي) أنه أكثر سهولة أن ينال كتاب متوسط المستوى صيتاً من جهة أن كاتبه هو ذو شهرة ذائعة سلفاً، من أن ينال كاتب ما شهرة من جهة أن كتابه فائق المستوى.
(6)
عرفت واحداً من الأطفال، كان كلما عورض في أمر من قبل والدته، يقول: آه، فهمت، أمي سيئة. ليس عبر منطق آخر يناقش أغلب الناس بعضهم بعضاً، كما لو أنه ما من طريقة أبسط من هذه يجدونها ليعبّروا عن رأيهم.
(7)
ليس الموت مساءة، فهو يحرر الإنسان من جميع السوء، وسوية مع الخير، ينزع منه أيضاً الرغبات.. الشيخوخة سيئة إلى أقصى الحدود، لأنها تسلب الإنسان كل أشكال المتعة، تاركة له الشهوات، ومعها جميع الآلام. رغم ذلك، يخشى الناس الموت، ويفضّلون الشيخوخة.
(8)
يقول بيونه، أحد الفلاسفة القدماء: من المستحيل أن تُحَبَّ من الجموع، ما لم تصر فطيرة أو نبيذاً حلواً. بيد أن هذا المستحيل دائماً ما كان ، بحكم النزعة المجتمعية للإنسان، مطلباً للجميع، مطلب من يقول بذلك، ومطلب من قد يعتقد بغير ذلك: يا للعارفين في الإنسان، كيف أنهم ، ومنذ الأزل الأول لوجوده، يواظبون حتى موتهم على البحث عن السعادة، ويعدون بها.
(9)
في كل بلد، يشار إلى النقائص والسيئات الكونية للإنسان وللمجتمع الإنساني على أنها خاصة بهذا المكان، أنا لم أحضر مرّة في جزء من العالم دون أن أسمع: هنا النساء فارغات ومتقلبات، قليلاً ما يقرأن، وغير مثقفان. هنا الناس يحبّون التطفل على شؤون الغير، كثيرو الثرثرة والافتراء على بعضهم. هنا المال والدعم ويسر العيش في متناول الجميع. هنا يسود الحسد والصداقة قليلة الصدق، وهكذا دواليك. كما لو أن الأشياء في مكان آخر تسير على نحو مختلف. الإنسان بائس بالضرورة، وثابت العزم على الاعتقاد بأنه بائس بالمصادفة.
(10)
لا يكون الإنسان سخيفاً إلا عندما يريد أن يبدو أو يكون غير ما هو كائن. الفقير، الجاهل، القروي، المريض، العجوز، هم ليسوا أبداً بسخيفين عندما يكونون راضين بكونهم ما هم كائنيه، وقانعين بالبقاء داخل الحدود التي شاءتها الطبيعة لهم، ولكن يا للخفة، عندما يريد العجوز أن يبدو شاباً، المريض مصحاً، الفقير غنياً، الساذج جامعياً، والقروي متمدناً. العيوب الجسدية نفسها، ومهما تكن قاسية، لا تفسد رقة ابتسامة قد تعبر، فيما لو أن الإنسان لم يجهد على إخفاء عيوبه، أي فيما لو أنه لم يرد أن يبدو كأنه لا يملكها، ومثله القول: فيما لو أنه لم يرد أن يكون مختلفاً عما هو كائنه. من يتبصر جيداً، يدرك أن عيوبنا وآلامنا ليست هي المثيرة للسخرية، ولكن الجهد الذي نبذله لإخفائها، وإرادتنا أن نتصرف كما لو أنها ليست لنا.
أولئك الذين لأجل أن يكونوا محبوبين ينتحلون صفة معنوية مختلفة عن حقيقتهم، يخطؤون خطأ كبيراً. التصنّع الذي بعد فترة وجيزة تضعف القدرة على المداومة عليه، يصير جلياً، ومعارضة الصفة الزائفة للحقيقة تتقهقر أمام التكشف والتشفف المستمر لهذه، فيمسي الشخص مكروهاً ملوماً محسوراً بأنه لم يعرض حقيقته كما هي بجلاء ومنذ البداية. أية صفة مهما بلغت من البؤس، يكمن فيها جانب جميل، ولأنه جانب جوهري وصادق، فإنه عندما لا يحجب، يكون جديراً بالحب أكثر من أي جمال آخر زائف.
إرادتنا أن نكون ما ليس نحن، تهدم كل شيء في العالم: وليس لأي سبب آخر غير هذا يصيرون غير محتملين بعض الأشخاص الذين كانوا ليُعشقوا فقط لو أنهم رضوا بكينونتهم.
..
من كتاب "أفكار" لشاعر إيطاليا ومفكرها الكبير ليوباردي