وقد أصبحت فلسفة الدين حقلاً معرفياً مستقلاً، ومبحثاً فلسفياً منفصلاً له حدوده ومناهجه وموضوعاته منذ نهاية القرن الثامن عشر، وما زال بعضهم يخلط بينه وبين علم الكلام أو علم اللاهوت أو بينه وبين علم الأديان المقارن أو بينه وبين الميتافيريقا، والواقع أن فلسفة الدين مبحث مستقل عن تلك المجالات، وبدأ بوصفه مبحثاً فلسفياً نسقياً ومنظماً مع كانط في كتابه "الدين في حدود العقل وحده"، لكن لا شك في أن جذور هذا البحث ومقدمات إنبثاته بشكل متكامل بدأت قبل ذلك الوقت، إذ سبقت هذا التاريخ مناقشات عدة لكثير من موضوعات فلسفة الدين، لكنها لم ترق لتكون فلسفة للدين متكاملة العناصر والأركان ومحكمة المنهج تعتمد على العقل العقل وحده، ومبرأة من الإنحياز أو الدفاع اللاهوتي أو العقائدي، والموضوع هنا شبيه بعلم المنطق وإنبثاقه مع أرسطو فهو ليس مخترعاً من عدم، إذ كانت هناك إسهامات منطقية سابقة له في الشرق أو الغرب لكنها كانت إسهامات متناثرة ومختلطة ببعض مباحث الفلسفة، وجعل أرسطو المنطق مبحثاً فلسفياً مستقلاً ومجالاً معرفياً محكم المنهج ومحققاً لشروط العلم، وهو بالضبط ما فعله كانط بفلسفة الدين، ولا سيما أن الأخير فحص الحقائق الدينية فحصاً عقلانياً حراً، وحلل الدين تحليلاً نقدياً من حيث هو دين، وتجنب طرق اللاهوت وأغراضه.
أما مصطلح فلسفة الدين فظهر في بداية القرن التاسع عشر؛ إذ بدأ شيوعه وإستعماله للدلالة على مجال فلسفي مستقل، ويرجع الفضل في هذا إلى هيجل في كتابه "محاضرات في فلسفة الدين" المنشور عام 1832م، وهي السنة التي تلت وفاته، وبعدها توالت المؤلفات التي تحمل اسم "فلسفة الدين" أو تشتمل على موضوعات تتعلق بفلسفة الدين.
ضمن هذه المناخات تأتي هذه الدراسة التي يتناول الباحث من خلالها فلسفة الدين، وتحديداً، في الفكر الغربي، حيث شمل ذلك محورين رئيسين؛ أحدهما يمثل الباب الأول ويتعلق بالتأسيس الفلسفي للدين، والآخر يمثل الباب الثاني المتعلق بمقولات فلسفة الدين، واشتمل كل باب على خمسة فصول، ولما كان الصراع الفكري الموجود حالياً متمثلاً بصراع حضاريّ بين الشرق والغرب، توجه الباحث في دراسته هذه صوب الفكر الغربي للبحث عن فلسفة الدين بحسب ما صرح به فلاسفتهم.