الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية (الكتاب الأول)
, سنة النشر 2016
الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية (الكتاب الأول)
ليس ثمة شك أن بين الحرية بعامة والحريات الأكاديمية بخاصة علاقة وثيقة، هي تحديداً علاقة الأصل بالفرع؛ فالحرية الأكاديمية، هي قدرة الباحث على إمتلاك حرية البحث والتقصي والتفكير والرأي والتعبير والحوار والجهر بالحقيقة دون رقابة أو خوف، تحتاج إلى مناخ مجتمعي يحضُنها فكرةً، ويصونها قيمةً، ويحافظ عليها ممارسةً وتطبيقاً.

لذلك، يصعب منهجياً مقارنة واقع الحريات الأكاديمية في البلاد المغارب دون ربطها بالبيئة العامة الحاضنة لها إيجاباً أو سلباً، وهي في كل الأحوال بيئة مركبة من حيث المكونات والخصائص، يتداخل فيها الموروث التاريخي والثقافي بطبيعة الدولة والسلطة، وبدرجة الوعي المجتمعي العام.

وبناءً عليه، تنطلق هذه الورقة البحثية من فرضية أن واقع الحريات الأكاديمية في البلاد المغاربية جزء لا يتجزأ من حال الحريات بشكل عام، وأن أفق تطورها في إتجاه التوطين والإستقرار والديمومة، مرتبط - بشكل عميق - بإنعطاف الدول والمجتمعات المغاربية نحو الديمقراطية.

وتؤسس الورقة فرضيتها على جملة منطلقات، أهمها أن مشاركة الفاعلين في حقل السياسات العامة التعليمية محدودة وضعيفة، مقابل سيطرة الدولة ومؤسساتها، كما أن إستقلالية الجامعات ومؤسسات التعليم العالي هشّة وغير متكملة، علاوة على ضعف إنغراس مبادئ الحكامة الجيدة في عمليات التدبير، والتسيير، والرقابة والتقييم.

وتشدد الورقة، في مستوى آخر، على أن إستقلال "المجال العلمي" عن "المجال السياسي" في مجمل عناصره الأساسية غير واضح، حتى لا نقول منعدماً، وهو ما أثر، ضمن عوامل كثيرة، في حصيلة إنتاج المعرفة، وإعادتها في بلاد المغرب مقارنة مع غيرها من البلدان.

تأسيساً على ما سبق بيانُه، تروم الورقة تحليلَ عنصرين أساسيين: يتعلق الأول بالبنية القانونية للحريات الأكاديمية، من حيث مدى تأصيلها في الدساتير، ومكانتها في التشريعات والقوانين ذات الصلة، وكذا مؤشرات قياس درجة حضورها في النصوص الناظمة للمنظومة التعليمية والتربوية [أولاً]، في حين يخص العنصر الثاني، إستراتيجيات تطوير الحريات الأكاديمية في البلاد المغاربية، من زاويتي دعم إستقلالية المجال العلمي عن نظيره السياسي، وإعادة بناء منظومة التعليم العالي والبحث العلمي على قدر من العقلانية يسمح لمجموعة العلماء بالإستقلال بذاتها في رسم إستراتيجيات الإشتغال ومراكمة المعارف، سواء إزالة الدولة، أو حيال مصادر التعاون الدولي.

وتعتبر الورقة، من زاوية ثانية، أن الإستقلالية المتوازنة والفعالة ستفتح أفقاً حقيقياً لإعادة بناء مجتمع معرفة يسند الحريات ويصونها، ويسمح بإدراك مجتمع الرفاه [ثانياً].

الزوار (289)