كان وجه الزين مستطيلاً، ناشئ عظام الوجنتين والفكين وتحت العينين. جبهته باردة مستديرة، عيناه صغيرتان محمرتان دائماً، محجراهما غائران مثل كهفين في وجهه. ولم يكن على وجهه شعر إطلاقاً. لم تكن له حواجب ولا أجفان، وقد بلغ مبلغ الرجال وليست له لحية أو شارب. تحت هذا الوجه رقبة طويلة. (من بين الألقاب التي أطلقها الصبيان على الزين" الزرافة"). والرقبة تقف على كتفين قويتين تنهد لأن على بقية الجسم في شكل مثلث، الذراعان طويلتان كذراعي القرد... والساقان رقيقان طويلتان كساقي الكركي. أما القدمان فقد كانتا مفرطحتين عليهما ندوب قديمة والزين يذكر قصة كل جرح من هذه الجروح... يحكي الزين قصته فيقول: "الجرح دا يا جماعة ليه حكاية" ويستفزه محجوب قائلاً: "حكاية شنو يا عدير؟ يا مشيت تسرق ضربوك بي غصن شوك". ويقع هذا موقعاً حسناً في نفس الزين، فيستلقي على قفاه ضاحكاً، ثم يضرب الأرض بيديه ويرفع رجليه في الهواء ويظل يضحك بطريقته الفذة، ذلك الضحك الغريب الذي يشبه نهيق الحمار. وكان ضحكة قد أعدى الحاضرين جميعاً، فيتحول المجلس إلى قهقهة مروية.
ويتمالك الزين نفسه، ويمسح بكم ثوبه الدمع الذي سال على وجهه من الضحك، ويقول: أي... أي... مشيت أسرق". يأخذك الطيب الصالح إلى عوالم تزخر بشخصيات تضحكك حيناً تبكيك أحياناً، وتزرع في قلبك تلك المسحة الإنسانية التي تكشف عن براعة الطيب الصالح في الوصول سريعاً إلى مساحة احساسات قارئه. وصفيات وسرديات وعالم هو رهن مشهد القارئ وواقعه تتيح التعرف إلى إبداعات الطيب الصالح في مسار الصفة الروائية.