من مقدمة الكتاب، أوَّلاً: مدخل في تاريخيَّة الكتاب
يبدو أنَّ الصِّيغة العربيَّة من "كتاب الوزراء السَّبعة" هي أقدم نسخة يمكنُنا الاطمئنان إليها لمعرفة أصول "كتاب السِّندباد"، أو "سندبادنامة". فالتَّرجمة الإغريقيَّة للكتاب بعنوان "كتاب سِنتِباس" (The Book of Syntipas)، اعتماداً على أصلٍ سريانيٍّ، قام بها ميخائيل أندريوبولس على حدود سوريا في العقد الأخير من القرن الحادي عشر، أي القرن الخامس الهجريِّ. أمّا النُّسخة الوحيدة الباقية من الصِّيغة السُّريانيَّة فهي معاصرة تقريباً لأغلب مخطوطات الكتاب العربيَّة الباقية. وعلى العموم يمكن القول إنَّ أصل الكتاب يكمنُ في نصٍّ آراميٍّ، ربَّما تشكَّلَ في بيئة مانويَّة كانت تغترف من التُّراث الآراميِّ المطعَّم بعناصر هنديَّة ويونانيَّة.
ولعلَّ أقدم إشارة تاريخيَّة تدلُّ على اطِّلاع العرب على ترجمة عربيَّة لكتاب "سندبادنامة" تعود إلى القرن الثالث الهجريِّ، حيث ذكر اليعقوبيُّ في تاريخه هذا الكتاب، ونسبه إلى الهند، حين كان يتحدَّثُ عن ملوك الهند وتاريخهم وعلومهم، فقال: "ومنهم كوش الملك، الذي كان في زمان سندباد الحكيم، وكوش هذا وضع كتاب مكر النِّساء". وهكذا يتحدَّث اليعقوبيُّ عن الكتاب الذي عُرِفَ باسم "سندبادنامة"، ويجعل زمن كتابته معاصراً لزمن الملك الهنديِّ كوش، وقد عاش الحكيم سندباد، الذي يظهر كبطل مساعد في الحكاية الإطاريَّة لكتاب "سندبادنامة"، في كنفه. ثمَّ يوثِّقُ هذه المعرفة بالإشارة إلى تأليفِهِ كتابَ "مكر النِّساء"، وهذه هي التَّسمية الشَّعبيَّة التي عُرِفَ بها كتاب "سندبادنامة" حتى العصر الحديث.
وتأتي الإشارة الثانية لدى المسعوديِّ الذي يُطلِقُ على هذا الملك الهنديِّ اسم "كورش"، بدلاً من "كوش"، حيث يقول بعد حديثه عن الملك الهنديِّ بلهيت: "ثمَّ ملكَ بعدَهُ كورش، فأحدثَ للهندِ آراءً في الدِّياناتِ على حسبِ ما رَأَى من صلاحِ الوقتِ وما يحملُهُ من التَّكليفِ لأهلِ العصرِ. وخرجَ مِن مذهبِ مَن سلفَ. وكانَ في مملكتِهِ وعصرِهِ [الحكيمُ] سندباد؛ وله كتابُ الوزراء السَّبعة والمعلِّم والغُلام وامرأة المَلِك، وهو الكتابُ المترجَمُ بكتابِ السِّندبادِ". وهذا العنوان هو أيضاً عنوانٌ شعبيٌّ آخرُ عُرِفَ به الكتابُ، كما سنرى.