هُــــدهـُـــد ســـــليمــان ( 185 صفحه)
الطبعة 1
هُــــدهـُـــد ســـــليمــان

الظلام ، والجوع ، والوساخة ، والبرد الشديد ، والإرتجافات مثل الكهرباء الثلجية النارية ، والمياه تدق رأسهم الحديدي المشترك بصليل يعوي كآلاف الذئاب ، والباصُ تقلقلَ ويكاد ينقلب ، والعتمة الشديدة والعاصفة الهادرة ، مطر مثل بحر ، زجاج يتصدع ، خطوط غائرة في عظام الحديد ، صرخات ألم من فوق المياه ، تلاصقُ أجسادٍ تُسري شيئاً من الحرارة ، الليل طويل ، لا نجوم  ولا مصابيح ، وأصوات الطائرات المروحية تأتي من بعيد ، يسمعون هذيان إبراهيم الغريب ، وهينمة منيرة بآيات القرآن ، يصرخ إبراهيم: (إنا مجرم!) ، يقول خالد الحساوي: (إنا مكسور متعفن فلماذا إذن ضيعت شبابي؟!) ، نعيمة تضعُ قطعةَ أكلٍ في فم درويش فيردها لها!

الظلام يُختطف بنورٍ وامض ، ثمة سيارات نجدة ، المياه تنزل قليلاً ، البرد يشتد ، ينامون ولا ينامون ، درويش لم يعد يخافُ النومَ ، ينزلَ رأسَهُ باهتزازات على صدر نعيمة ، يحلم ببيتهم العتيق صار متحفاً وملعباً للأطفال ومكتبة ، يدخل عليه أبوه وهو معلم يدرس الطلاب والطالبات ، يحدقُ في الخريط المعلقة ، ويقطعُ الدرسَ بسؤال!

توقف المطر ، والسيول خفت ، وتراجعت المياه ، وفتح باب الباص ليبحث الماء عن سبله لجذور الأرض ، مختلطاً بدم وكوابيس وأحلام!

 

 

الزوار (227)