حجّاج و سلاطين
حجّاج و سلاطين
الدراسة الحاضرة لها هدف متواضع جداً، فهي، بالدرجة الأولى، تتعاطى مع الحج كظاهرة سياسية وإجتماعية وليس كظاهرة دينية، هذه الظواهر المختلفة هي في طبيعة الحال مترابطة ترابطاً وثيقاً في الحياة العادية؛ فلو أخذنا مثلاً واحداً من آلاف الأمثلة، لوجدنا أن قوافل الحج كانت تسافر بسرعة تزيد أو تقلّ وفقاً للوقت المتبقي قبل الصلاة على جبل عرفة، ذلك أنه لو فاتت هذه الفرصة، لأصبح الحج كلّه غير شرعي ولذهبت جهود الحجاج سدىً.
هذا الإعتبار الأخير هو من دون شك ظاهرة دينية، لكن المزيد من السرعة من جانب الحجاج المتأخرين قد يؤدّي إلى خسارة فادحة في الجمال، وهذا بدوره قد يؤدّي ليس فقط إلى صعوبات إقتصادية عندما تصبح هناك حاجة إلى شراء جمال بديلة، بل أيضاً إلى نزاعات سياسية في ما لو حاول قائد القافلة إجبار أهالي الصحراء على تزويد القافلة بالجمال.
وعلينا أن نتذكر دائماً أن حجاج القرن السادس عشر لم يفرّقوا بين النواحي الإقتصادية والإجتماعية لنشاطاتهم وبين الجانب الديني الذي يشكل بالنسبة لهم من دون شك السبب الرئيسي لتحمّلهم المشقات والتضحيات التي تستلزمها الرحلة إلى الحج؛ هذا التقسيم إلى حيّزين، حيّز إجتماعي - إقتصادي وآخر ديني، هو مناسب أكثر بالنسبة للباحث اليوم على الأقل، لأن النصوص الدينية والشرعية المتعلقة بالحج تتطلب من الباحث الذي يحاول تقييمها مهارات تختلف عن تلك التي يتطلبها تقييم مواد المحفوظات، ونظراً لحدود معرفة معظم الإخصائيين، بما فيهم المؤلف الحاضر، فإنه نادراً ما تجتمع تلك المهارات في الشخص نفسه.
إننا معنيون ثانياً بفترة زمنية محدودة نسبياً إلا وهي القرنين الأولين من سيطرة العثمانيين على الحجاز، وتتناول دراستنا الفترة 922 / 1517، أي السنة التي احتل فيها السلطان سليم الأول القاهرة، هذا الحدث سوف يعتبر، لغرض هذه الدراسة، كنهاية القرون الوسطى وكالبداية المبكرة للعصر الحديث، إن القرنين الأولين للسيطرة العثمانية جديران بدراسة مفصلة لأسباب عدة، أولاً، لأننا اعتدنا النظر إلى تلك الحقبة من الإزدهار السياسي والفكري الرائع بشكل مستقل عن وجهة نظر اسطنبول والأراضي التركية الداخلية، أو من جهة نظر "التاريخ القومي".
فالتاريخ العثماني كان يُنظر إليه، من وجهة النظر الأخيرة، كتاريخ هام لأنه يشكل مقدمة ضرورية للتاريخ القومي السوري أو الهنغاري أو، بالطبع، للتاريخ التركي الوطني؛ غير أن المنظور غير مناسب على الأخص عندما يُطبق على مدينتي الحج، مكة المكرمة والمدينة المنورة، اللتين تفوق قيمتهما الدينية القديمة من بعيد دورهما في تكوين الدولة الحديثة التي تشكّل الآن جزءاً منها، فعندما نناقش علاقات الحكومة العثمانية المركزية بولاية بعيدة، يتوجب علينا والحالة هذه دراسة القضايا ذات الصلة القليلة بالبناء المستقبلي للدولة، لكنها تطول عدداً من القضايا الحسّاسة المتعلقة بطريقة عمل الإمبراطورية العثمانية خلال القرنين السادس والسابع عشر.
هذا الإعتبار الأخير هو من دون شك ظاهرة دينية، لكن المزيد من السرعة من جانب الحجاج المتأخرين قد يؤدّي إلى خسارة فادحة في الجمال، وهذا بدوره قد يؤدّي ليس فقط إلى صعوبات إقتصادية عندما تصبح هناك حاجة إلى شراء جمال بديلة، بل أيضاً إلى نزاعات سياسية في ما لو حاول قائد القافلة إجبار أهالي الصحراء على تزويد القافلة بالجمال.
وعلينا أن نتذكر دائماً أن حجاج القرن السادس عشر لم يفرّقوا بين النواحي الإقتصادية والإجتماعية لنشاطاتهم وبين الجانب الديني الذي يشكل بالنسبة لهم من دون شك السبب الرئيسي لتحمّلهم المشقات والتضحيات التي تستلزمها الرحلة إلى الحج؛ هذا التقسيم إلى حيّزين، حيّز إجتماعي - إقتصادي وآخر ديني، هو مناسب أكثر بالنسبة للباحث اليوم على الأقل، لأن النصوص الدينية والشرعية المتعلقة بالحج تتطلب من الباحث الذي يحاول تقييمها مهارات تختلف عن تلك التي يتطلبها تقييم مواد المحفوظات، ونظراً لحدود معرفة معظم الإخصائيين، بما فيهم المؤلف الحاضر، فإنه نادراً ما تجتمع تلك المهارات في الشخص نفسه.
إننا معنيون ثانياً بفترة زمنية محدودة نسبياً إلا وهي القرنين الأولين من سيطرة العثمانيين على الحجاز، وتتناول دراستنا الفترة 922 / 1517، أي السنة التي احتل فيها السلطان سليم الأول القاهرة، هذا الحدث سوف يعتبر، لغرض هذه الدراسة، كنهاية القرون الوسطى وكالبداية المبكرة للعصر الحديث، إن القرنين الأولين للسيطرة العثمانية جديران بدراسة مفصلة لأسباب عدة، أولاً، لأننا اعتدنا النظر إلى تلك الحقبة من الإزدهار السياسي والفكري الرائع بشكل مستقل عن وجهة نظر اسطنبول والأراضي التركية الداخلية، أو من جهة نظر "التاريخ القومي".
فالتاريخ العثماني كان يُنظر إليه، من وجهة النظر الأخيرة، كتاريخ هام لأنه يشكل مقدمة ضرورية للتاريخ القومي السوري أو الهنغاري أو، بالطبع، للتاريخ التركي الوطني؛ غير أن المنظور غير مناسب على الأخص عندما يُطبق على مدينتي الحج، مكة المكرمة والمدينة المنورة، اللتين تفوق قيمتهما الدينية القديمة من بعيد دورهما في تكوين الدولة الحديثة التي تشكّل الآن جزءاً منها، فعندما نناقش علاقات الحكومة العثمانية المركزية بولاية بعيدة، يتوجب علينا والحالة هذه دراسة القضايا ذات الصلة القليلة بالبناء المستقبلي للدولة، لكنها تطول عدداً من القضايا الحسّاسة المتعلقة بطريقة عمل الإمبراطورية العثمانية خلال القرنين السادس والسابع عشر.