إبنة البابا
رقم الايداع 9786144720073 , الطبعة 1 , سنة النشر 2018
إبنة البابا

لطالما كان داريو فو متعلقاً بلوكريسيا بورجيا. فقد هاجم كاتب المسرحيات الإيطالي المشهور هذا، الحائز جائزة نوبل، التصوير الشعبي المستمر لتلك الأرستقراطية من عصر النهضة كامرأة مثيرة، معتبراً هذه الرسوم في الأعمال التلفزيونية، مثل The Borgias، {إباحية}، وفق صحيفة صانداي تايمز في لندن. لكن فو (89 سنة) خطا أخيراً خطوته الخاصة ليحسن صورة إحدى أكثر النساء شهرة في التاريخ الأوروبي، محولاً لوكريسيا القاتلة التي اشتهرت بسفاح القربى إلى بطلة روايته الأولى The Pope’s Daughter (ابنة البابا).


حيّرت لوكريسيا بورجيا الكتّاب منذ وفاتها عام 1519 عن عمر 39 سنة. وُلدت هذه الابنة غير  الشرعية للبابا ألكسندر السادس من عشيقته فانوزا دي كاتانيه، التي استمرت علاقتهما طويلاً، في عائلة سياسية بامتياز. فقد اشتهر والدها بقسوته، حتى بعدما أصبح رأس الكنيسة، ويُعتقد أن أحد إخوتها، سيزار (كردينال)، شكّل النموذج الذي استندت إليه شخصية «الأمير» لمكيافيللي.


رُتّبت زيجات لوكريسيا الثلاثة لتتلاءم مع مصالح العائلة: انتهى الزواج الأول عندما ألغاه أبوها البابا، وانتهى الثاني بمقتل زوجها، ربما بترتيب من سيزار. وقبل موتها نتيجة مضاعفات عقب حملها العاشر، خُلد جمال لوكريسيا في لوحات وقصائد. كذلك يمكننا أن نستشف شغفها وذكاءها من خلال الرسائل (لعشاقها الكثر) التي تركتها وراءها.


تفسّر هذه الوقائع، إلى حد كبير، الجرائم التي تُنسب إلى لوكريسيا. فقد قيل خلال حياتها إن طفلاً غير شرعي وُلد في الفترة الفاصلة بين زيجاتها هو ابن أخيها ومن ثم ابن أبيها من علاقة ما (مع نساء أخريات). وقد شكّل هذا، على الأرجح، الأساس وراء إشاعات سفاح القربى. بالإضافة إلى ذلك، ساهم موت زوجها الثاني ووفاة الكثير من خصوم آل بورجيا في انتشار سمعة لوكريسيا كامرأة خطيرة ربما تلجأ إلى السم في عمليات القتل.


سرد خيالي


لكن فو لا يقبل بكل هذا. ففي سرده الخيالي لحياتها، تتحلى لوكريسيا، بالتأكيد، بالجمال والذكاء. يشدد على توليها خلال فترة وجيزة واجبات والدها الكنسية، دافعاً باستمرار الشخصيات، التي تستند إلى شخصيات تاريخية حقيقية، إلى مدح مزاياها. حتى إنه يبدو غالباً كمن يعبر عن آرائه الخاصة من خلالها، مثلاً عندما يقول دوك إركول ديستيه، شقيق من أصبح لاحقاً زوجها الثاني، لابنه: «بخلافك، بذلت جهداً لأتعرف إليها قليلاً، تلك المرأة الصالحة التي تعتبرها أنت بائعة هوى مزيفة». يكثر هذا المديح في كتابه، الذي يبدو أقرب إلى عرض شفهي مطوّل منه إلى رواية بكل معنى الكلمة. تقع الشخصيات بسرعة تحت تأثيرها، يقول أحد العشاق: {رأيت عينيك الجميلتين، حركاتك المتناغمة، حتى إنني شممت رائحتك المميزة}. كذلك تتبدل حالات الكره العميق بسرعة، كما عندما يخبر البابا ابنته عن إصلاحاته الوشيكة في الكنيسة. فتمسكه و}تمطره بالقبل}، قائلة: {قبل ساعة، كنت أكرهك كثيراً... لكني أشعر الآن بحب تجاهك لا يشبه أي مشاعر أخرى اختبرتها}. لا يشكل هذا وصفاً غير منطقي فحسب، بل درامي أيضاً.


ربما يبدو هذا منطقياً. حصل فو على جائزة نوبل عام 1997 لأعماله المسرحية، وتكثر الإشارات إلى المسرح في هذه الرواية. بعد مقتل زوج لوكريسيا الثاني، ألفونسو من أراغون، يكتب فو: {وهنا، كما في مسرح الكوميديا الإيطالية المرتجلة، تبدأ لعبة الأقنعة. يشارك فيها الجميع. يدّعي الأب أولاً بأنه غاضب، إلا أنه يغض بعد ذلك الطرف وينادي بالسلام}.


كما في أعمال فو المسرحية، يمثل الجزء الأكبر من هذا الكتاب تعليقاً على زمننا المعاصر، كما عندما تخبر لوكريسيا سيزار عن مسرحية شاهدتها. يبدو هذا العمل معاصراً جداً: عمل استعاري تؤدي فيه الكلاب دور البشر. توضح لوكريسيا: {تشير معانيه إلينا}، فضلاً عن الحكام اليوم بالتأكيد.


بسبب طبيعته المثيرة للجدل، ستقرأ هذا الكتاب بسرعة. بالإضافة إلى ذلك، تضم هذه الرواية جملاً غريبة، ربما تعود إلى أخطاء الترجمة التي أنجزها أنتوني شوغار (كُتبت هذه الرواية بالإيطالية). كذلك يفتقر السرد إلى التشويق وبالتالي الدراما الحقيقية، ما يجعل هذا العمل أقرب إلى الفضول أو مشروع محبب لأحد أبرز كتّاب عصرنا.

الزوار (522)