الموجة الثالثة في السينما الواقعية الايطالية ( 196 صفحه)
, سنة النشر 2005
الموجة الثالثة في السينما الواقعية الايطالية
يقدم الناقد السينمائي العراقي المقيم في إيطاليا موسى الخميسي في كتابه الموجة الثالثة في السينما الواقعية الإيطالية قراءة في الاتجاهات الجديدة لهذه السينما، التي نهلت موضوعاتها من الواقع الذي تعيشه مدن الجنوب الإيطالي المشبعة بالعنف والفضائح والفقر والصفقات المريبة، التي جعلت من المافيا دولة داخل الدولة إضافة إلى موضوعات السياسة التي تشكل ملمحاً آخر لها.

وقد قدم السينمائي الفلسطيني قاسم حول لهذا الكتاب بالحديث عن علاقة السينما بالواقع، وحقيقة الواقعية في السينما، حيث جاءت القيمة الجمالية لهذه السينما من صدق العلاقة القائمة بين الممثل والواقع، وقد كانت إيطاليا أول من قدم هذه السينما عالميا، ولذلك دعيت هذه الموجة الجديدة بالسينما الواقعية، أو الواقعية الإيطالية.

استهل الناقد الخميسي مقدمته بالتأكيد على افتخار الإيطاليين بصناعتهم السينمائية، التي تعد من أعرق السينمات في العالم، وقد تصدرت السينما الواقعية الإنتاج السينمائي الايطالي الذي عمل السينمائيون على تحريره بعد الحرب العالمية الثانية من هيمنة القوى الفاشية وسعوا إلى إيجاد سينما تعبر عن حاجات الطبقات المسحوقة في المجتمع من خلال إنشاء تعاونيات سينمائية أخذت بالانتشار في سائر البلاد.

وقد برز من خلال هذه التعاونيات مخرجون كبار أهمهم رائد الواقعية الإيطالية المخرج روسلليني الذي دعا إلى معرفة الناس كما هم في الواقع فكان فيلمه »روما مدينة مفتوحة«الذي أنتج عام 1944 تعبيراً عن معاناة هذه المدينة تحت الاحتلال الألماني.

ويضيف ان بداية التسعينات من القرن الماضي شهدت ظهور جيل جديد من السينمائيين الشباب المغامرين تجاوز عددهم الثلاثين، تميزت أفلامهم بالتنوع والغنى، ومازال عددهم يزداد، حيث يحاولون إماطة القناع الخارجي الخادع عن الأعماق بكل هوسها وارتباكاتها وحساسيتها، وذلك لرد الاعتبار لهذه السينما بعد ان طغى عليها طابع الإنتاج الهوليودي وما يميز هذه الأفلام هو تطعيم خطابها بمواقف سياسية واجتماعية نقدية ما أدى إلى انتعاش هذه السينما، التي اتخذت منها مواقف نقدية متعارضة.

يعيدنا الناقد في عرضه النقدي لحوالي ثلاثين فيلما تمثل الموجة الواقعية في السينما الايطالية إلى استذكار الكثير من هذه الأفلام التي حققت شهرتها واستقطبت جمهوراً واسعاً كان يتزاحم على شباك ا لتذاكر لحضور عروض هذه الأفلام كفيلم زد لكوستاغافراس وفيلم الاغتيال لإيف بواسيه، وفيلم قضية ماتيي لفرانشيسكو روزي، وفيلم الطبقة العاملة تذهب إلى الجنة لاليوبيتري..

ثم يتجاوز هذه المرحلة إلى مرحلة الموجة الجديدة ابتداء من فيلم" من الأفضل شباباً" المركس لموضوع العلاقة بين العائلة والمجتمع، بحثا عن التغيرات التي طرأت على هذه العائلة بسبب التفجرات التي تعيشها المجتمعات الغربية، ويصل زمن الفيلم الذي أخرجه ماركوتوليو جوردانا إلى 6 ساعات يرصد فيه حياة أسرة ايطالية منذ منتصف الستينات الماضية وحتى الوقت الراهن.

ويعد فيلم "أخذ روحي" لروبرتو فاينسا بمثابة رحلة ي عالم النفس والتاريخ، من خلال التأمل في حياة امرأة عانت الكثير من القهر واحتقار الذات وتعرضت للعنف النفسي والجسدي، ويحاول المخرج من خلال الفيلم أن يعكس تأثير هذه المرأة العلمي على نظريات عالم النفس كوستاف يونغ.

أما فيلم "الحياة جميلة" للمخرج روبرتوبنيني فيتميز بلغته الساخرة، وقد استطاع ان يحصل على جائزة مهرجان كان الكبرى في العام الماضي، بالإضافة إلى ثلاثين جائزة محلية وعالمية، والفيلم يتناول بأسلوب ساخر موضوع الهولوكوست مما أثار حفيظة اليهود المتعصبين في إيطاليا.

ركزت أفلام هذه الموجة على الدور الحقيقي لعصابات المافيا، وقد اتسمت هذه المحاولات بالجرأة كما هي في فيلم "نسيان باليرمو" للمخرج فرانشيسكو روزي الذي يطرح موضوع استخدام المافيا للقوى السياسية من أجل الضغط على مسيرة الحياة في ايطاليا وأميركا معا، لكن هذه الأفلام استطاعت ان تدفع بالسلطات القضائية العليا لفتح ملفات العديد من الاغتيالات السياسية.

ومن هذه الأفلام فيلم "ايلاريا آلبي" للمخرج اليساري فرديناندوفيجينتيني اورنياني الذي يدور حول لغز مقتل المراسلة الصحافية الايطالية ايلاريا آلي في الصومال عام 1944، وكذلك فيلم "مئة خطوة" للمخرج ماركو توليو جوردانا عن حياة واغتيال المثقف الايطالي جوزيبي رازيزي.

وإلى جانب هذه الأفلام يعرض الخميسي لأفلام أخرى تناولت موضوع المهاجرين القادمين من العالم الثالث إلى ايطاليا، وفي طليعتها فيلم بامورو الذي يتضمن محاكمة جريئة للاستخدام السيئ للسلطة، ولامتهان حرية الإنسان وكرامته وذلك من خلال الصراع الذي يدور بين صاحب العمل المتغطرس والمهاجر المستلب الضعيف، ولا يختلف فيلم »غرفة الابن« للمخرج ناني موريتي عن الفيلم السابق من حيث إدانته للعنصرية.

ومع هذا التنوع يبقى للفيلم السياسي حضوره الكبير بسب حالة الفساد والاستغلال السيئ للإدارة وما يتبع ذلك من امتهان لكرامة الإنسان الإيطالي ويعد فيلم "كالفي" واحداً من هذه الأفلام التي حاول فيها المخرج جوزيبه فيرارا ان يكشف عن فضيحة أحد رجال المصارف الذي شنق تحت جسر بلاك فررايرز على نهر التايمز في لندن ووجدت جيوب بدلته ومعطفه ممتلئة بكمية كبيرة من الأحجار الكريمة إضافة إلى مبلغ مالي كبير وأرطال من الذهب الخالص.

الانشغال بالموضوع السياسي لم يمنع هذه الموجة من الأفلام الجديدة من تقديم أفلام ذات طابع رومانسي كما في فيلم سفر اسمه الحب للمخرج والممثل ميكيله بلاجدو، وفيه يعود للبحث عن جذور الحركة الأدبية الايطالية في مطلع القرن الماضي.

من الأفلام الأخرى التي يتحدث عنها الكتاب فيلم بحار "الجنوب الساخر" للمخرج مارشيللو جزينا الذي يتناول ظاهرة النمو الاقتصادي السريع في ايطاليا وفيلم "صباح الخير ياليل" للمخرج ماركوبيلوكيو، الذي يتحدث عن قتل الزعيم الايطالي الدومورو وعن جماعة الألوية الحمراء المتهمة بمقتله.

وهناك أفلام أخري تناولت موضوعات تتجاوز الإطار المحلي الايطالي الى قضايا إنسانية كفيلم »درويش« للمخرج البيرتور رونداللي الذي عرف عنه مساندته للقضايا المصيرية، ويتحدث الفيلم عن عائلة بوسنية تعيش في نهاية القرن الماضي.

أما فيلم "مالينا" للمخرج جوزيبه تورناتوره فيقدم شهادة عن الواقع الذي عاشته المرأة الصقلية في أربعينات القرن المنصرم وقد تميز برؤية تعبيرية نقدية، كذلك فيلم غداً للمخرجة فرانشيسكا اركيبوجي الذي يعرض للواقع المنحل في ايطاليا ولزلزال عام 1997.

ويحاول الناقد ان يكشف عن مدى التنوع في الموضوعات والرؤى الذي قدمته الموجة الجديدة من الواقعية الايطالية وذلك من خلال تقديم أفلام متنوعة تطرح الكثير من القضايا والموضوعات بجرأة ولغة سينمائية متقدمة كما في فيلم ايتري سكولا "منافسة خسيسة" الذي يتعرض مرة أخرى لموضوع القهر والعنصرية والظلم الذي عانى منه مهاجرو دول الجنوب الفقيرة.

وفيلم الروائية سوزانا تامارو التي تخوض تجربة الإخراج السينمائي في فيلمها أجبني، الذي يمثل تنويعات رومانسية لبيئات محاصرة، ومحتشدة بالشخصيات الإنسانية المتواضعة والمظلومة.

ويقدم فيلم "بين غريبين" للمخرج ادوارد كارلوبونتي، وفيل "بينوكيو" للمخرج روبيرتو بينيني الذي حافظ فيه على كثير من الخصائص المميزة للمخرج فيلليني، ومن الأفلام التي تعرض لحياة وتجربة الفنانين فيلم "ماريا كالاس" للأبد للمخرج زيفريللي الذي تدور أحداثه حول السنوات الأخيرة من حياة أشهر مغنية أوبرا في التاريخ.

في حين يروي فيلم "تلك الأضواء المنطفئة" للمخرج موريتسيو بونسي بدايات الواقعية الايطالية الجديدة، أما فيلم "الانبعاث" للأخوين تافياتي فهو بمثابة تحية لنضال المرأة العاملة مستمد من رواية الكاتب الروسي تولتستوي التي تطرح موضوعات من تاريخ روسيا القديم.
الزوار (301)