الفلسفة مضطرة لأن تكون مفتوحة تتلقى دروسها من العلم ولا تأتي إليه بأحكامها وإسقاطاتها ،وإنما تحاول أن تتعقب خطواته كي تكون وعيا بالعقلية العلمية . هذا التعقب هو ما يشكل صميم البحث اﻹبيستيمولوجي الذي هو جزء لا يتجزأ من الفعالية الفلسفية . إلا أن ذلك لا يعني إطلاقا أن يحل المشتغل بالفلسفة محل العلم الرياضي أو الكيميائي أو الفيزيائي ، فيعيد بناء المعرفة العلمية.وإنما يعني ،أساسا ، أن عليه أن يقف عند المنعطفات الكبرى التي عرفتها بعض المعارف العلمية ، تلك المنعطفات التي كانت مناسبات ﻹعادة النظر في البدا هات والمطلقات. ذلك أن البحث الأبيستمولوجي هو ، في نهاية الأمر، محاولة نقدية لتقويض المفهومات الفلسفية التي تتحصن بالمعارف العلمية لتتشبث بالبقاء و هو،من أجل ذلك ، وقوف عند تحولات العقل العلمي ، وتفتح على العلم وما ينفخ فيه من روح جديد. ولعل أهم سمة من سمات تلك الروح الجديدة هو إثبات طابع اللامباشرة والانفصال الذي أخد يطبع العلم المعاصر ، هذا العلم الذي غدا يضع الوضوح في التراكيب اﻹبيستيمولوجية وليس في تأمل منعزل لموضوعيات مركبة،والذي أصبح يؤمن بالوضوح اﻹجرائي محل الوضوح في ذاته،وبالموضوع المبني بدل الموضوع المعطي،والحدس – النتيجة بدل الحدس – البداية، ليعلمنا أن التفكير العلمي سلسلة من القطيعات والانفصالات، وأن التفكير ، بصفة عامة ،غزو وفعالية ونقد وإعادة نظر.