لعل الخريف هو اللحد
لم يخضع روبرت بلاي، تولّد (مينيسوتا) عام 1926 لهيمنة شعراء القرن العشرين، فهو أحد رواد قصيدة النثر الأميركية الجديدة، فلم يسلّم بالقواعد والمسلمات التي سبقت حضوره في قصيدة النثر.
النرويجي الأصل وبعد حصوله على منحة من جامعة آيوا الأميركية عاد إلى النرويج عام (1956) وساهم في ترجمة الشعر النرويجي إلى الإنكليزية. وتعرف هناك إلى شعراء لم يكن لهم حضورهم في الولايات المتحدة. من بينهم بابلو نيرودا، غونار إكلوف، قيصر بابيخو، جورج تراكل وهاري مارتينسون.
براعة بلاي لم تنحصر في زج الموروث الثقافي في لغته الشعرية، بل إنه قدم نصوصاً بمواضيع يستمدها من الحياة المعيشية، واليوميات البسيطة المغفلة، المحيطة بنا، التي تحتاج إلى حرفة في تقديم القصيدة، كما في نصوص الكبش أو قصيدة أقود السيارة في ساعة متأخرة لكي أضع رسالة في البريد وغيرها.
"الكبش"
"ينتقل الكبش بين العشب العطر
يفرش الصقر أرياش عاتقيه.
دجاجتان بريتان تقعيان وقد تشابك ريشهما.
قبيل أن تبدأ نتف الثلج الكبيرة الداكنة بالتساقط"
حيوية بلاي جاءت من قدرته على نفخ الحياة في اليومي المعاش من ناحية، والإبحار في الصورة السريالية وإبداعه فيها من ناحية أخرى.
في لحظات يبدو ما يكتبه بلاي سهل التذوق والتلقي، ولكن صوره الشعرية تمعن في تفاصيل الكون ومكنوناته، وهي متخمةٌ في كثير من الأماكن بالرؤيوية المبهمة، كما في قصائد شجرة جوفاء، مختنقٌ بالعالم ونحبُّ هذا الجسد:
"نحبّ هذا الجسد كما نحبُّ اليوم الذي التقينا
فيه بالزّولِ الذي اقتادنا بعيداً عن هذا العالم،
كما نحبُّ الهديّة التي أعطيناها ذات صباح كحافز..
لحظةَ نفرغ من ممارسة الحب، ونحن أكثر امتلاءً
بالغبطة من مركبةٍ محمّلةٍ بالتّبن"
اختلاف بلاي وتفرده بنص مغاير ينبض بالتجديد، لم يكن نتيجة التزامه بمدرسة ما أو تأثره بشاعر أحب. بل جاء نتيجة تجاوزه واقتحامه كل الحدود للقصيدة القديمة ولكل ما هو مكرس ومقدس من الناحية الشعرية وأسمائها كبودلير ورامبو في فرنسا مثالاً ولوركا في إسبانيا:
«لعلّ الخريف هو اللحدُ
الذي ولِد منه الطفلُ.
يُداخلنا سرورٌ دفين
ثم لا نقول لأحدٍ شيئاً!»
أسس روبرت بلاي منهجاً شعرياً لم يُصبغ إلا بنكهته الخاصة، كما أنه عمل في النقد وكتب في الفلسفة والسياسة، وترجم العديد من الأعمال.
لم يتوقف بلاي عند هذا الحد، بل إنه ناهض ورفض الحرب الأميركية ضد فيتنام من خلال مساهمته في تأسيس "جماعة الكتاب الأميركيين ضد حرب فيتنام".
أصدر أكثر من 40 مجموعة شعرية، منها باكورته "الصمت في الحقول الثلجية" عام 1962، يعد عمله (جون الحديدي) وهو كتابٌ في الرّجال، من أشهر الأعمال وأكثرها مبيعاً عالمياً، وهو من أهم شعراء أميركا.