للحزن خمسة أصابع ( 113 صفحه)
رقم الايداع 9789948011910 , , سنة النشر 2007
للحزن خمسة أصابع

لم تكن القراءة له تكفيني، تماما كما لم تكفيني القراءة عنه.. لا بد أن أكتب عنه كي أكمل فرحتي بحرفه، محمد حسن أحمد يشبه رجال وطني الباحثين عن ما هو مختلف، المنقبين بين أكوام الكلمات عما يخلقهم.. و يمنح العالم بهجة ميلادهم، محمد يكتب عن الموت.. عن الوطن.. عن الحب.. عن السعادة.. عن النجاح.. عن الحزن.. عن الغربة.. عن الظلم الذي ينهش لحم الفقراء، و يبدد عرقهم في رطوبة الهواء المالح رغما عن الشمس “التي لا تعرق”.. ” صمتكِ يوقظ الليل، دعيه ينام” .. و لأنه أراد لليل أن ينام كتب محمد عن حزنه ذي الخمسة أصابع، ذلك الحزن الذي نبت فجأة من الأرض التي دفن فيها جسد مراد.. مراد الذي رفض الوطن أن يمنحه اعترافا بأبوته فعاش غريبا كما الليل، يتنفس ملح حزنه المنسكب مع كل زفرة.. مراد الذي عرف الحب في أرض وعرة، و قطف زهرته ليسكن سعادة كانت تفر منه.. مراد الذي أوقف لحظات الزمن بعدسة كاميرته، لونها بالأبيض و الأسود كما لون أيامه.. كانت نورة هي فرشاة ألوانه التي جعلت لحياته معنى.. و حين جاء الموت ليقطفه، آثر أن يأخذهم معا، كي لا يحزن أحدهم أو يتألم لفقدان الآخر.. قراءته لم تكن سهلة أبدا، فهو شاعر يجيد نقش الحزن فوق ناصية الحرف، و هو مصور يعرف كيف يمنح الضوء سلطة في المكان، و هو سينمائي يجيد هندسة الأماكن كي تليق بأفكار الكلمات، كنت أضع خطوطا كثيرة تحت الجمل، و أعيد القراءة أكثر من مرة.. كي أفهم أحيانا.. و كي أغرق أحيانا أخرى في أعماق المعنى.. لكني حين انتهيت، أدركت أن الوطن يترك غصة في حلق أبنائه، حين يتذكرهم بعد موتهم… و هم الذين تعثروا طيلة ساعات عمرهم بقوانينه و أوراقه الرسمية التي يطالبهم بخلقها من العدم..!

الزوار (1065)