إن نتائج الفيزياء الحديثة التي يعرض لها هذا الكتاب غيرت في كثير من المواضع صورة العالم التي كنا استمددناها من القرن الماضي، وتدفع بنا هذه النتائج الى أن نعيد التفكير والنظر في كل شيء، كما أنها تدفع بنا الى أن نغير طريقة تفكيرنا. سنتعلم من هذا الكتاب أن للإنسان أهميته، ذلك أن التاريخ لا يتحكم به على نحو مطلق، بل إنه هو من يتحكم بالتاريخ ويجب فهم التاريخ بأنه ليس الاهتمام بحياة الانسان على هذا الكوكب فحسب، بل يشمل هذا أيضاً التأثيرات الكونية التي تتخلل العالم الانساني. ويكتشف الجيل الحالي المرة تلو المرة أن التاريخ لا يؤكد ولا يستطيع ان يؤكد التفاؤل الاجتماعي للمدنية الحديثة، كما أن تنظيم الجماعات الانسانية وإقامة الحرية والعدالة والسلام ليست من أهمال الفكر فحسب، بل هي أيضاً أعمال روحية وأخلاقية تتطلب رعاية الشخصية الانسانية في كامل إحساسها وتفكيرها وتطالب الإنسان بأن يشمخ من وسط الآلام والسخف ليجدد نفسه ووجوده أيضاً. إن علم الطبيعة ذاته لم يعد يقف من الطبيعة موقف المتأمل، ولم يعد يتخذ الطبيعة وحدها موضوعاً له، بل صار يعرف نفسه جزءاً من هذه العلاقة المتبادلة بين الانسان والطبيعة. كما أن الطبيعة نفسها أصبحت عرضة لأسئلة الانسان الذي بات يواجه نفسه هنا أيضاً.