العقد الاجتماعي (مبادئ الحقوق السياسية) ( 160 صفحه)
رقم الايداع 9789776276963 , الطبعة 1 , سنة النشر 2011
العقد الاجتماعي (مبادئ الحقوق السياسية)
لم يكن "روسو" عدوًا للحرية والفردانيية، وإنما هو الرجل الذي وصك المدنية بالفساد في قوله: "المدينة مقبرة البشر"، وهو الذي وصف أصل الشر في كتابه "بحث في أصل اللامساواة" بقوله: "إن الوغد المسئول عن نهاية حالة الطبيعة هو أول رجل اقتطع رقعة من الأرض العامة وأقام حولها سورًا وقال: هذه لي"! الإنسان يولد طيبًا، ولكن المجتمع يجعله سيئًا، والسبيل إلى إعادته إلى الخير هو حماية هذا الخير الطبيعي من الفساد الذي يجلبه المجتمع، إصلاح المجتمع إذًا يسبق إصلاح الأفراد!، إن وثيقة العقد الإجتماعي التي نشرها "روسو" سنة 1762م تتناول مشكلة الطاعة السياسية، وفيها يصرخ محتجًا: "يولد الإنسان حرًا، ولكنه يكبل بالأغلال في كل مكان". إن أساس مجتمع المستقبل عند "روسو" يجب أن يكون عقدًا تكون السلطة المطلقة فيه في يد المجتمع، حتى لو كان الثمن هو استقلال أو حرية الأفراد، ومن ثم فإن انحياز "روسو" إلى شكل الجمهورية البورجوازية التي تقيد الملكية الخاصة دون الإخلال بمبدأ المساواة هو شكل السلطة الذي اختاره "روسو". ويدين "روسو" فكرة تحكم الإنسان في الإنسان، وبطش الإنسان بالإنسان؛ فالإنسان لم يعد إنسانًا عندما أصبح يعيش في المجتمع يحارب الطبيعة مثل الإنسان البدائي، بل صار يعاني كذلك من اللا مساواة.. والقهر أيضًا. والحل في نظر "روسو" ليس بالعودة إلى الحالة البدائية كما نادى "فولتير" في نصيحته الشهيرة "لنمش على أربع!"، وإنما في الرجوع إلى المجتمع ذاته في شكله الطبيعي، وهذا يمكن تحقيقه بتغيير الوسط الاجتماعي كله في شكل عقد إجتماعي جديد، ولهذا كان كتابه "إميل"- الذي يمثل فلسفته التربوية- يهدف إلى إعلان القيمة الفردية ووظائفها، وإبعاد الحكم المتسلط عن التربية، ولن يتحقق ذلك إلا بالانسحاب من المدن، والذهاب إلى الريف والجبال لنطلق للطبيعة عنانها: الطبيعة الفيزيقية، والطبيعة النفسية للفرد، حيث يطلق سراح طبيعة الطفل ليعبر عن نفسه بلا قيود، وتلك طريقة توصف بـ"التربية السلبية" التي يعمل فيها العلم على إبعاد أي مؤثرات عن تربية طفله التمثيلي "إميل"، وكذلك لإفساح المجال للمتعلم كي يتعلم من الطبيعة الأم، ولهذا وصفت تربيته ب "التربية الطبيعية": طبيعة الطفل، والطبيعة المادية من شمس ورياح ومطر وحيوان وطير؛ ليتعلم منها الطفل. هل فات زمن "روسو" وعقده الاجتماعي؟ كلا، لم يفت بعد؛ فشأنه شأن الفلسفات الكبرى والخلاقة، يبقى مفتوحًا على كل درس مستقبلي، وكل وعد متجدد!
الزوار (854)