المؤلف ( 116 صفحه)
الطبعة 1 , سنة النشر 2008
المؤلف
كان المؤلف ينصت كمن يتلقى تعليمات لا يملك القدرة على رفضها حين قالت "أريدك أن تكتب عن امرأة كلما أحبت رحل عنها من تحب، وكلما تمكست بشئ ضاع منها، ولا يبقى فى جعيتها دائماً سوى الموت". لم يكن في ذهنه سوى مشهد العالم الغريب الذى هبط عليه أو نبت فجأة بين مفراداته، فظل ينظر إلى البحر ويماهه الساكنة، حيث لا يطور ولا أسماك، ولا شئ يوحي بالحياة، تعجب من مشهد الرمل الناعم اللامع على امتداد البصر، كأن عاصفة أتت فمحت كل شيء عدا بقايا بيت يتكئ عليه فنار قديم وتسكن أمامه كتلة من القباب المهندسة على هيئة مدينة تتخللها شوارع وطرقات وتتقدمها شواهد بلا أسماء، كاد أن يقول لها لا أعرف عنك شيئاً، لكن رجفة شملته فانتفض كسمكة خرجت للتو من الماء، استدار قائلاً: لست رباً كي أكتب عما أجهل وكأنني أعمله علم اليقين، ولست شيطاناً لأدخل في الصدور فاعرف ما تختلج به النفوس، لكنه لم يجدها. على البعد رأى ظل مرجانة يتساقط عنها الماء وهي تتمايل فى مشيتها الهادئة مبتعدة نحو بقايا البيت وظل الفنار القديم، كانت هنا، فكيف حملها الرمل كل هذه المسافة وبهذه السرعة الخاطفة، ولم سألتني أن أكتب ما لا أعرف عنه سوى هذه النافذة التى تطل منها كل حين؟ هل يمكن أن يكتب المرء قصة من لايعرفهم وكأنه عايشهم مئات السنين؟ البحر بكل عبابه وهياجه واتساعه يرفض أن يقبل عملاً لا تقوم به سوى الآلهة، حتى هؤلاء تنزهوا لي أن أزج بنفسي في مغامرة، وأنا أضعف من الوقوف على أعتابها؟
الزوار (332)