مذكرات موظفة سعودية ( 392 صفحه)
رقم الايداع 9789953891316 , الطبعة 1 , سنة النشر 2009
مذكرات موظفة سعودية
تذهب لقضاء معاملة في القطاع الحكومي، فتشاهد عمالة كسولة، عمليّات مماطلة غير رحيمة في شؤون الناس، وطريقة تعامل مبطّنة بعدوانيّة، وكأنّ الموظّف يتعمّد إذلالك، في مستشفى حكومي تحملين طفلك على يدك وقلبك على يدك الأخرى، ملامحك كلّها تتسوّلهم أن يشعروا بقلب أمّ لها طفل مريض، لكنّ اللامبالاة هي ما تلاقينه، وقد تكون مُصاباً بمرض خطير، فتُعطى موعداً بعد شهور، ويعرف الطاقم الصحّي كلّه أنّ الوقت مهمّ في حالتك، لكن لا أحد يعبأ بك، وتتساءل في نفسك: ألاّ يتّقون الله؟ لماذا لا أُعطى موعداً قريباً؟ لماذا لا يتمّ التعجيل بعلاج حالتي؟ فلا تجد جواباً. يتخرج ابنك من الثانوية بتقدير ممتاز، وبعد حالة إستنفار في المنزل كلّه، وبعد أن تتمزّق أعصاب الأسرة، لا يجد مقعداً في أيّ جامعة، وتتساءل كيف يحدث هذا؟ لماذا لا نملك جامعات؟ وهذا ليس حال القطاعين الصحّي والتعليمي فحسب، بل أكاد أجزم أنّ هذا هو حال جميع القطاعات كالشؤون الإجتماعيّة، والبلديّات وتخطيط المدن، كلّها خدمات رديئة، أخلاق لا وجود لها، والإنسان كقيمة غائب عن الصورة، وحتى الخدمات الخاصّة التي يثرى أصحابها حتى يناطحوا مليارذيرات العالم وبلا ضرائب، هي خدمات رديئة، وليس عليها حسيب أو رقيب، فقد تدفع المال لمطعم للحصول على وجبة طعام، ثم تدفع ثمنها مرّة أخرى من حياتك وتموت بتسمّم غذائي، ويعاود المطعم عمله وكأنّ شيئاً لم يكن. والمؤسف في الأمر هو الوفرة الهائلة في المال والبشر! فالناس هنا يتكاثرون كالبكتيريا والثروات الطبيعيّة هائلة، ولكن دون الإستفادة منها في تأسيس بنية تحتيّة، أو تأسيس الإنسان لينفع نفسه بنفسه، فالأموال ستنتهي دون أنّ تترك لمن يلينا شيئاً، سوى نظام تعليم رديء، ونظام صحيّ مضرّ بالصحّة، وشوارع ومبانٍ متهالكة، مجتمع معدم، وشباب تائه، يفتقر لأقلّ مهارات الحياة، وأنت وأنا وكلّ فرد في المجتمع عوامل فعّالة نساهم في حدوث المزيد من الإنحدار. في بادئ الأمر شككتُ في نظرتي، فهل يُعقل غياب العقل وتحكّم الرغبات في الناس لهذه الدرجة؟ ثم تنبّهت أنّ هذا الحال هو نتيجة منطقيّة وحتميّة لثقافتنا، التي تظهر في طريقتنا في الأمومة والتربية والتعليم والحبّ والزواج، وحتى في إدارة أعمالنا، وبعد أن اتّضحت لي الصورة، وأدركت أنّي جزء من الشبكة المعقّدة للقضيّة تخلّف الإنسان، وأنّ ما أراه هو تجلّيات لهذه الشبكة، تصالحت مع نفسي، وقرّرت أن أبدأ بها لأنقّيها من التلوّث الفكري المحيط بي، فكانت القراءة والمزيد من المعرفة حول سلوك الإنسان ودوافعه، وجذور مفاهيمنا، ومنبع قيمنا، هي أذكاري اليوميّة، حتى وصلت لمرحلة أصبحت أعرف إلى حدٍّ كبير من أنا، وأعرف متى أقوم بعمل غير حضاري وما هي دوافعي، كيف يفكّر من حولي، خاصّة في بيئة العمل، ومدى غيابهم عن الوعي والأخلاق، ولكنّي لا زالت غير سعيدة لأنّي جزء من منظومة العمل غير الأخلاقيّة، وأتقاضى راتباً فوق ذلك، ولم تواتِني الشجاعة لأخرج منها حتى ساعة كتابتي لهذه السطور. هذا الكتاب هو رحلة في عالم التخلّف، رحلة ستضحك فيها ثم تغضب، ثم تتألّم وقد تبكي، ثم تنتهي طاقتك وتستسلم لوجودك في هذه البقعة، رحلة ستجعلك تحافظ على صحّتك وتستعيذ بالله من شرّ المرض في العالم الثالث.
الزوار (357)