النعوة الأدبية.. لو لم يمت زافون فهل كان سيعيد لإسبانيا ألقها الروائي؟
أضيف بواسطة: , منذ ٤ أعوام
الوقت المقدر لقراءة التدوينة: 2 د


مع خبر موت كارلوس زافون، بدأ عشاق الأدب بالنعي ومنهم من تجاوز الحد بالتشظي على رحيل واحد من أعلام الأدب المعاصر، صاحب "مقبرة الكتب المنسية". وهناك من قال بأن موت زافون خسارة لأن الوقت لم يسعفه ليعيد لإسبانيا ألقها الروائي.

زافون كاتب مميز جداً، لكن تحميله هذا العبء الثقافي من خلال النظرة وتحويله لبطل منقذ لتاريخ إسبانيا، ضرب من هراء تخيلي للثقافة، لسببين مهمين، أولهما أن إسبانيا هي واحدة من الأكثر الآداب إنتاجاً روائياً سابقاً وحاضراً، بأسماء لا تعد ولا تحصى، ولا نتحدث هنا عن الناطقين أو الذين يكتبون بها، بل عن داخل إسبانيا بالذات، وثانياً لأنّ زافون بالنسبة للأدب الإسباني يحتل الموقع نفسه الذي يحتله مانغويل بالنسبة للأرجنتين، وموراكامي بالنسبة للأدب الياباني.. الخ؛ إنهم بطريقة ما يفتقدون أهم عناصر الأدب القومي وهو الانتماء القائم على هيكلية الزمن والجغرافيا والشخوص النابعة من عمق بلدانهم، لقد تجاوزوا حدود النمطية الكلاسيكية في التعبير عن مشاريعهم، وعليه تصبح مطالبة زافون التخيلية أو التندّم على موته عبارة عن جوف غير مثمر.

إننا نعيش فعلياً عصراً ثقافياً لا انتمائي بالمعنى المعرفي وليس بالمعنى الثقافي، أي إننا نعبّر عن الجوهر المجرد للأفكار من خلال آلية السرد، دون أن يكون هناك حدث ينتمي لهيكلية ذات أبعاد ثقافية أو هوية محددة لنوع الأدب. بشكل أبسط، مقبرة الكتب المنسية، هي لا تمثل إسبانيا بالمعنى المعرفي الجوهري لفكرة زافون الروائية، وإن مثلتها ثقافياً بانتماء الهوية التقليدي.

لذا فكل الخطابات المؤثرة حول زافون هي خارج هذا النطاق المتداول؛ وبطريقة أخرى بدأت تنكشف بعض الآراء التي لا تتحدد صحتها، ومن تلك الآراء التي تم تداولها بين المثقفين على موقع تويتر، أن زافون قال يوماً بأنه رفض أن تتم ترجمة كتبه إلى اللغة العربية، وبأن الموضوع ترجمته إلى تلك اللغة (العربية) لا يشرفه كثيراً.

لا أعلم بشكل شخصي صحة ذلك الأمر، أو حقيقة ما قاله زافون، لكن لنتوقف قليلاً حول هذا الرأي الشوفيني.. ما الذي يدعو كاتباً أن يتخذ هذه الصورة عن القارئ العربي، إني لا أحاول الدفاع عن زافون، لكن لو دققنا قليلاً في الحدث النعوي الذي جرى بعد موته، سندرك الاتفاق الثقافي الجمعي على أهميته، دون تحديد واضح أين تكمن أهمية زافون!. بالتأكيد زافون كاتب هام كآلية سرد، استطاع اختلاق نمط سردي أدبي مختلف وخاص به، لكن زافون ليس مهماً فكرياً. عملية طرح أهميته دون فهم حقيقي لما يمثله هذا النمط الأدبي، هو أقرب لهوجاء ثقافية نعويّة.

هذه الصورة التي تم نعيه بها، تمثّل عدم فهم حقيقي لطبيعة أدبه، بمعنى أن القارئ يستشعر المتعة في القراءة لكن لا يستطيع أن يستوعب ما يمثّل تلك المتعة، وهنا لا ندين أحد، فليست مهمة القارئ تشريح الهيكلية الأدبية ليستمتع، لكنه مجبر عند طرح وجهة نظر بأنّ زافون سيعيد تاريخ إسبانيا الأدبي، أن يفهم القارئ عميقاً الخلاف التشريحي لما يمثله ذلك الأدب، لأنه يضع نفسه في موقع المنظّر الثقافي.

بطبيعة الحال هي وجهة نظر حول زافون، وبنفس الوقت تحديد ذهنية ثقافية شاسعة اليوم؛ وموت زافون ليست نهاية التاريخ الأدبي.

تدوينات أضيفت مؤخراً
بين الكتب والقرّاء