هكذا تكلم زاردشت لـِ فريدريك نيتشه
أضيف بواسطة: , منذ ١٣ عامًا
الوقت المقدر لقراءة التدوينة: 3 د
هكذا تكلم زاردشت لـِ فريدريك نيتشه

هل قرأت للمتنبي و أخذك الشعور بتلك الروح الثائرة المتمردة و الممجدة لصفات القوة والشجاعة والتفوق؟ ربما ستأخذك نفس المشاعر و أنت تقرأ هذا الكتاب "هكذا تكلم زاردشت" للفيلسوف الألماني "فريدريك نيتشه" .. فمايجمع بينهما أن كليهما شاعر، وكليهما فيلسوف ، وكليهما يبحث لكن باختلاف عن كمال الإنسان. يصف "ول ديورانت" نيتشه بأنه "طفلُ داروين وأخٌ لبسمارك، فقد تأثر بنظرية دارون و بسياسية بسمارك". وجد نيتشه في نظرية دارون ما يوافق فلسفته في أن البقاء للأصلح والأقوى، وهذه الدعوة لارتقاء الإنسان تقتضي محاربة الضعف والمرض والنقص وتشجيع الصفات العالية كالصحة والقوة والذكاء والتفوق ولهذا فهو يرى أن الزواج هو اجتماع إرادتين لإيجاد شخص ثالث أعلى من الزوجين، فهو يريد للزواج أن يؤدي إلى الرقي البيولوجي وإيجاد الإنسان الخارق أو "السوبرمان" وزيادة الذكاء والصحة والنمو ورفعه من معاني السعادة واللذة إلى معاني التطور والتضحية. أما السياسي الألماني بسمارك و الملقب بالمستشار الحديدي، فقد كانت سياسته تطبيقاً عملياً لفلسفة نيتشه ورمزاً لأخلاق القوة التي دعا إليها ، و لهذا أحبه نيتشه ومجده كثيراً ، فقد قرر بسمارك أن "لا محبة للغير بين الأمم وأن القضايا الحديثة في الدول لا ينبغي أن تقررها أصوات الناخبين، ولا بلاغة الخطب، ولكن الذي يقررها هو الدم والحديد!". كان بسمارك ريحا عاتية على أوروبا التي أفسدتها الأوهام والديمقراطية والمثل العليا السائدة. فقد تمكن في شهور قليلة من فرض سيادته وزعامته على النمسا المتدهورة وفي شهور قليلة اخضع فرنسا التي كانت لا تزال تترنح نشوى بأسطورة نابليون. كما أجبر في شهور قليلة الدويلات الألمانية الصغيرة المتفرقة على دمج نفسها في إمبراطورية واحدة لكنها قوية ، و لم تكن ألمانيا في حاجة لأكثر من فلسفة القوة هذه في تلك الظروف بالتحديد ، لتصبح ألمانيا دولة عسكرية و صناعية كبيرة ، و قد عبر نيتشه عن تطبيق هذه الفلسفة قائلاً: "نصيحتي إليكم: كونوا قساة صلاباً!" ، و مرة أخرى قائلاً: " لِصغار الناس صغار الفضائل ولكنني لا أعرف ما حاجتنا إلى صغار الفضائل!" ، و هو الذي يقول " أدعو إلى حياة المخاطرة وأقدر البطولة وأقول عش في خطر، وشيد مدنك قرب بركان فيزوف، وأرسل سفنك لاكتشاف البحار المجهولة وعش في حرب دائمة". و هي غاية للمتنبي في كثير من أشعاره ، غير أنها مسربلة بالشرف ، إذ يقول: اذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم فطعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في أمر عظيم واذا لم يكن من الموت بد فمن العجز أن تموت جبانا أصبحت فلسفة نيتشه في ربع القرن المنصرم محركا للشباب الألماني ، و انتقلت إلى أوربا و حتى أمريكا ، و ربما لا يعرف البعض أن مسلسل الصور "سوبر مان" الذي ظهر في أمريكا لاحقا ، لم تكن فيه شخصية الرجل الشاب المفتول العضلات الواسع الصدر الخارق القدرات إلى الدرجة التي يرفع فيها سيارة كاديلاك قديمة ، و يتصدى بصدره للرصاص ، لم يكن ذلك الشاب الوسيم القوي غير أحد نتاجات فلسفة القوة هذه. كان نيتشه يردد: "أحب من يسعى إلى خلق شيء أسمى منه ثم يموت" ، و في سعيه و حلمه هذا بخلق الإنسان القوي "السوبرمان" ، فقد انحدر نيتشه بالأمراض المزمنة و العمى و الجنون ليكون في أحط مراتب الإنسان غير الخارق! اليوم ، وسواء اختلفنا أم اتفقنا مع بعض أفكاره تبقى قراءة نيتشه متعة ودعواته القوية حلم جميل ماتع ، و يكفي للاستمتاع بقراءة هذا الكتاب سحر فريدريك نيتشه في التعبير و قدرته على خلق الفكرة ، فلم يكن فيلسوفا فقط بل شاعراًعذباً و حالماً.

تدوينات أضيفت مؤخراً
بين الكتب والقرّاء