تسقط الأجساد.. لا الفكرة!.. هكذا ماتوا!
أضيف بواسطة: , منذ ٨ أعوام
الوقت المقدر لقراءة التدوينة: 9 د

ومن لم يمت بالسيف مات بغيره.. تعددت الأسباب والموت واحد

أسخيلوس

كاتب مسرحي تراجيدي يوناني كتب أكثر من 70 عمل مسرحي كان موته آخر مشهد درامي في حياته. ففي أحد أيام عام 456 ق.م، كان يجلس على شاطئ البحر في بلدة جيلا بجزيرة صقلية وطالت به الجلسة ولعله كان مشغولاً بنظم الشعر أو التأمل في مياه البحر وأشعة الشمس التي تغمرها، وفجأة سقط على رأسه حجر من السماء، فخر صريعاً في الحال.. وهرع إليه من كان على مقربة منه، فوجدوا أن ذلك الحجر لم يكن إلا سلحفاة كان يختطفها أحد النسور بالمصادفة أفلتت من بين مخالبه لتسقط على رأس إيسخولوس المسكين!

سقراط

يعد من كبار الفلاسفة وشيوخ الحكمة الذين أثروا في تطور الفكر البشري وتقدم الفلسفة رغم أنه لم يكتب حرفاً واحداً ولم يكن له أي مؤلفات وإنما عرفنا كل آرائه الفلسفية عن طريق أفلاطون أكبر تلاميذه الذي نقل كل محاوراته.. في السبعين من عمره قدم سقراط للمحاكمة بتهمة إفساد أخلاق الشباب في أثينا ودفعهم للاستهانة بالتقاليد والخروج على طاعة آبائهم. كان بإمكان سقراط إنقاذ نفسه من الموت لو أنه رضي بشرطهم أن يكف عن تعليم الشباب وعن نشر فلسفته ولكنهم أجاب الخمسمائة قاض المكلفين بمحاكمته: "إذا قلتم لي يا سقراط إنا سنعفو عنك الآن، ولا نشترط عليك إلا أن تكف هذه الساعة عن متابعة البحث والتفكير على هذا النمط- فإني سوف أجيبكم قائلاً: إنني أحبكم يا أهل أثينا، ولكني سأطيع الإله ولن أطيعكم، ولن أمتنع ما دمت حياً وما دامت لدي قوة عن الاشتغال بالفلسفة وتعليمها للناس وعن القيام بوعظ كل من ألقاه على طريقتي الخاصة.. أحب أن تعرفوا أنكم إذا أقدمتم على قتل رجل مثلي فسوف تسيئون إلى أنفسكم أكثر من إساءتكم لي، لأنكم إن قضيتم عليّ فلن يتيسر لكم أن تجدوا رجلاً آخر مثلي"!. وكانت نتيجة المحاكمة إدانة سقراط واعتباره مذنباً بتصويت الأغلبية فحكم عليه بالموت بكأس مسمومة.

أرخميدس

عالم ومخترع يوناني له ما يزيد عن أربعين اختراعاً. طلب منه ملك سيراكوزا أن يختبر الذهب المصنوع منه تاجه وإن كان مخلوطاً بالنحاس. فأخذ يفكر ويبحث وبينما هو يستحم في حوض مليء بالماء لمعت في ذهنه حل مشكلته فاندفع عارياً من الحمام وجرى إلى قصر الملك وهو يصيح "أوريكا.. أوريكا" أي وجدتها.. وجدتها.. هاجم الرومان مدينة سيراكوزا وأرادوا احتلالها ولكن اختراعات أرخميدس عطّلت ذلك الاحتلال لمدة ثلاث سنوات. وفي عام 212 ق.م. كان أرخميدس الذي ينوف على السبعين من عمره يجلس على الأرض بكل بهدوء ويخط على الرمال أشكالاً عجيبة من دوائر ومثلثات ومستغرق بكل حواسه في تلك الأشكال التي يخطها وإذا بظل يتمايل من خلفه لجندي من جنود الرومان يمسك في يده سيفاً وأمره أن يتبعه لمقابلة سيده مارسيلويس فرد عليه أرخميدس "من فضلك، لا تفسد دوائري!" وطلب منه أن يمهله حتى ينهي عمله لكن الجندي استشاط غضباً وسل سيفه ليطعن به أرخميدس دون تردد رغم الأوامر بعدم التعرض له بأي أذى.. سقط أرخميدس على الفور غارقاً بدمائه لافظاً أنفاسه الأخيرة.

يوليوس قيصر

لقد وفّرت الفتوحات التي قام بها رجل الدولة والعسكري العظيم يوليوس قيصر الأمن للإمبراطورية الرومانية لأكثر من خمسمائة عام، كما نشرت قوانين وعادات ولغة الرومان في كل أنحاء أوروبا.. وامتد أثر الإنجازات التي حققها قيصر لدرجة أن اسمه قد أصبح لقباً للأباطرة الرومان، ثم للقادة بعد قرون من عهده. لكن بعض كارهيه كانوا أعضاء في مجلس الشيوخ فدبروا خطة للتخلص منه بطعنه بخناجرهم أثناء وجوده بالمجلس حيث أحاط به المتآمرون وبعد إشارة متفق عليها انهالوا عليه طعناً بالخناجر، فسقط مضرجاً في دمائه عند قاعدة تمثال بومبي وقبل أن يلفظ آخر أنفاسه نظر إلى بروتوس - الذي كان قيصر يختصه بكثير من الحب والعطف إلى حد أن كثيرين ظنوه ابناً له- وقال "حتى أنت يا بروتس"!!

المتنبي

شاعر العربية الأول. ظهرت عليه علامات النجابة والنبوغ منذ طفولته، وكان أعجوبة في سرعة الحفظ وقوته. لزم أهل العلم والأدب وأكثر من ملازمة الورّاقين. كما درس الفلسفة وأقوال المتكلمين والمعتزلة وجميع معارف عصره. كان المتنبي طموحاً بل صاحب طموح زائد عن الحد وكان فيه استعلاء وتشاؤم وتعصب للعروبة. ألفت حوله من الكتب أكثر مما ألف حول أي شاعر آخر ولديوانه شروح كثيرة وعديدة من فطاحل الأدباء وكبار النقد. كان المتنبي قد هجا رجلاً رجلاً اسمه ضبة، هجاه وهجا أمه بشعر غاية في الشناعة، وسبب ذلك أن المتنبي كان سائراً يوماً في جماعة من أشراف الكوفة فتعرض لهم ضبة هذا وكان غداراً عديم المروءة فشتمهم وجاهر بسبّهم فطلبت الجماعة من أبي الطيب أن يرد عليه بمثل ألفاظه القبيحة، فكان ما كان. وكان لضبة خال يدعى فاتك الأسدي سمع بهجاء المتنبي لأخته وابنها فداخلته الحمية فراح يتتبع أخبار المتنبي ويلاحقه حتى قتله. وقيل إن المتنبي بعد أن قاتل فاتك وجماعته فترة، أراد الفرار والهرب والنجاة بحياته، فقال له غلامه: لا ينبغي أن تهرب وأنت القائل: فالخيل والليل والبيداء تعرفني، والسيف والرمح والقرطاس والقلم. فقال له المتنبي: قتلتني.. قتلك الله. وانطوت صفحة ذلك الشاعر العبقري عام 965م.

شجرة الدر

هي ملكة جلست على عرش مصر وكانت مدة حكمها لم تزد على الثمانين يوماً وماتت ضرباً بالقباقيب! كانت زوجة الملك الصالح نجم الدين أيوب وكانت خير عون له في تدبير أمور الدولة فقد كانت ذات عقل وحزم ومعرفة تامة بأحوال المملكة، وعندما توفي في وقت حرج أخفت خبر وفاته حتى لا يفت ذلك في عضد الجنود وتحايلت لذلك فزعمت أن الملك يرقد مريضاً في حجرته وكانت هي تقوم مقامه في استقبال رجال الدولة من خلف ستار وبهذا انتصر المسلمون على الصليبيين. بعد تنازلها عن الملك وتسلطها على زوجها الثاني أيبك ثم قلتها له انتقم له ابنه أيبك فانتهت شجرة الدر ضرباً بالقباقيب حتى الممات وكان ذلك عام 1250 حيث سحبوها من رجلها ورموها عارية من فوق السور فسقطت في خندق القلعة وانقضت ثلاثة أيام على تلك الحال ثم حملت في قفة ودفنت في تربتها المعروفة إلى اليوم عند مدخل قرافة الإمام قرب مقام السيدة نفيسة بقسم الخليفة.

ديكارت

فيلسوف فرنسي عرف بفلسفة الشك التي قلبت الفكر العالمي رأساً على عقب، وبجملته الشهيرة "أنا أفكر إذن أنا موجود". ورث ديكارت عن أبيه دخلاً يكفل له حياة طيبة، ولم يتزوج قط، فكانت حياته رخاء لا يتخلله إعصار، فهو يصيب من الطعام أجوده ومن النوم أشهاه فلا يصحو إلا إذا ارتفع الضحى ويعيش عيشة رغداً ويقضي معظم وقته في بيته.. إلى أن وصله خطاب من كرستينا ملكة السويد تدعوه إلى أن يحضر إلى بلادها ليدرس لها الفلسفة. ورغم محاولته الاعتذار عن تلك الدعوة خوفاً من برد السويد، ورجاءه أن تعفيه الملكة من "الاستمتاع باجتلاء شمس طلعتها"، لكنها أصرت على طلبها وأحضرت الفيلسوف الشهير إلى أرض الدببة بين الجليد والصخور ليقضي عليه عناد الملكة كرستينا وصلابتها فهي تعتقد أن عقلها يكون أشد تقبلاً للفلسفة في ساعات الصباح الباكر فكانت تصر أن يحضر ديكارت إلى القصر قبل مشرق الشمس من كل يوم.. وهذه اليقظة الباكرة في الشتاء وسط صقيع الشمال كانت فوق ما يحتمله فيلسوف اعتاد الدفء والكسل في فراشه.. وهكذا لم يقو على احتمال هذه الحياة سوى بضعة أسابيع أصيب بعدها بالتهاب رئوي حاد ومات يوم الحادي عشر من فبراير عام 1650.

لافوازييه

في الثانية والعشرين من عمره تسلم جائزة من أكاديمية العلوم الفرنسية لابتكاره نظاماً جديداً لإنارة الشوارع في باريس. وهو الذي أطلق اسم الأكسجين على الغاز الذي اكتشفه العالم الإنجليزي بريستلي. وهو أول من وضع للعناصر والمعادلات الكيميائية رموزاً. في عام 1789 قامت الثورة الفرنسية وأعدم الملك لويس السادس عشر والملكة ماري انطوانيت وتحولت فرنسا الملكية إلى جمهورية وكان لافوازييه أحد ضحايا تلك الثورة فقد تم القبض عليه مع سبعة وعشرين آخرين من أعضاء أكاديمية العلوم الملكية التي أمرت الثورة بإغلاقها ووجهت عدة تهم ملفقة للافوازييه منها تدبير مؤامرة ضد الحكومة الجديدة وذلك لمكانته الممتازة في القصر وعلاقته الوطيدة بالملك وهكذا تم تقديمه لمحكمة الثورة وحكم عليه بالإعدام بالمقصلة. ورغم أن هيئة الدفاع ذكرت أن لافوازييه من أعاظم رجال العلم، وأنه أنفق خير مراحل عمره في خدمة بلاده، رد عليهم رئيس المحكمة ساخراً: "إن الجمهورية ليست في حاجة إلى العلماء.. ويجب على العدالة أن تأخذ مجراها!". ولعل أبلغ رثاء قيل في لافوازييه تلك الجملة التي قالها أحد أصدقائه وهو واقف على قبره: "لقد احتاجوا إلى لحظة قصيرة لحز رقبتك، لكنهم لن يستطيعوا إنجاب مثلك في مئات السنين!".

فديريكو جارثيا لوركا

شاعر وكاتب مسرحي إسباني كبير حكم عليه بالإعدام بعد انقلاب عسكري قام به فرانشيسكو فرانكو للإطاحة بالنظام الجمهوري والاستيلاء على الحكم وقامت على إثرها حرب أهلية استمرت ثلاث سنوات. رغم الدماء التي سالت كان غارسيا متأكداً أن لا علاقة له بما يجري فقد كرس حياته للشعر والفن وحده ولكنه فوجئ بقوات فرانكو تقبض عليه بحجة أنه جاسوس وموالي للنظام السابق. أطلقوا الرصاص على لوركا مع عدد آخر من المعتقلين ودفنوه في مقبرة جماعية فلم يعثر أبداً على جثة لوركا بعد ذلك..

غسان كنفاني

في صباح السبت 8 يوليو 1972 في تمام الساعة العاشرة والدقيقة الخمسين، كان الأديب والمفكر والمناضل الفلسطيني غسان كنفاني يفتح باب سيارته والتي كانت تقف أمام باب منزله في منطقة الحازمية ببيروت، حيث خرج مع ابنة أخته لميس ذات الثمانية عشر ربيعاً التي أصرت أن تصحب خالها غسان إلى مكتبه بمجلة الهدف ثم يخرجان بعد ذلك لشراء حاجياتهما من أسواق المدينة. ولم يكد غسان يدير المحرك حتى انفجرت السيارة انفجاراً عنيفاً مدوياً، واشتعلت فيها النيران.. ولقي غسان وابنة أخته حتفهما في الحال وتناثر جسداهما أشلاء في كل مكان.. وقد أحدث الانفجار فجوة كبيرة في المكان الذي كانت تقف فيه السيارة كما تحطمت كل نوافذ العمارة التي كان يسكن فيها غسان مع زوجته الدنماركية آني وولديه فايز وليلى. وفي مكان الحادث عثر المحققون على قصاصة ورق عليها شعار إسرائيل، نجمة داود، وفوق القصاصة عبارة تقول: "مع تحيات سفارة إسرائيل في كوبنهاجن!".. في إشارة إلى زواجه من السيدة الدنماركية. وقد جاء اغتيال كنفاني رداً على العملية الفدائية التي تمت من فترة بمطار اللد بإسرائيل وقتل فيها بعض اليهود وكانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قد أعلنت مسئوليتها عن هذه العملية وكان غسان كنفاني من زعماء الجبهة المعروفين كما كان رئيساً لتحرير مجلتها الناطقة باسمها وهي مجلة "الهدف".

..

من كتاب: نهايات المشاهير: المشهد الأخير في حياة هؤلاء

تدوينات أضيفت مؤخراً
بين الكتب والقرّاء