يؤكد كثير من الأدباء أن العمل الأدبي الجيد يأتي كنتيجة لعمل جاد ومتواصل، إذ لا يكفي برأيهم أن يجلس المؤلف منتظراً أن يهبط عليه الإلهام ويملي عليه ما يكتبه.. ولكن هذا ما يحدث فعلاً في بعض الأحيان، قد يعمل الكاتب ويبذل الكثير من الجهد ويعيد الكتابة عدة مرات ولكنه يشعر أن هناك شيء ما ينقص عمله، إلى أن تأتي أخيراً لحظة الإلهام، تلك الومضة المباغتة التي تجعلهم راضين فعلاً عما يكتبونه. عن تلك اللحظة التي تلهم المؤلف بفكرة أو شخصية ما يتحدث هؤلاء المؤلفين:
1- تقول مؤلفة السلسلة الشهيرة لروايات "هاري بوتر" ج. ك. رولينج في موقعها على الانترنت: "كنت عائدة إلى لندن بالقطار عندما خطرت ببالي فكرة هاري بوتر. أنا أكتب مذ بلغت السادسة من عمري لكني لم أكن قط مبتهجة بفكرة كما حدث معي في تلك اللحظة. لم يكن لدي قلم حينها لأكتب، لذلك جلست ورحت أفكر، خلال الرحلة التي استغرقت أربع ساعات، بكل التفاصيل التي راحت تتوالد في مخيلتي، راحت صور ذلك الصبي الهزيل أسود الشعر ذو النظارات الطبية الذي لم يكن يعي قدراته الخارقة، تتوالى بشكل أوضح في مخيلتي.
2- وجاءت لحظة الإلهام لمؤلف "الهوبيت" جون. ر. تولكين عندما كان يصحح أوراق الطلاب. ففي حديث له مع البي بي سي يقول: "أذكر تماماً لحظة الإشراق تلك. لا زلت أرى تلك الزاوية في منزلي التي حدث فيها ذلك. كان أمامي كومة هائلة من أوراق الامتحان، كان ذلك في فترة الصيف مما جعله عملاً شاقاً ومملاً. أذكر يومها أني التقطت ورقة ومنحت صاحبها علامة إضافية أو خمس علامات إضافية فقط لأنه ترك صفحة كاملة فارغة! عظيم! لا شيء لأقرأه! لذا كتبت عليها ولا أعلم حتى اللحظة لماذا كتبت ذلك: "في حفرة في الأرض هناك عاش في يوم من الأيام الهوبيت"!
3- في مدونتها كتبت ستيفاني ماير عن مصدر الإلهام الذي استمدت منه سلسلة روايتها الشهيرة "الشفق": بدأ كل شيء في الثاني من يونيو 2003. قبل هذا التاريخ لم أكن قد كتبت سوى بضعة فصول لقصص لم أنهها أبداً. إلى أن استيقظت يوماً من منام واضج جداً، حيث رأيت فيه شخصين يتجادلان في الغابة، أحدهما فتاة والآخر شاب جميل ومتألق بشكل خيالي وهو مصاص دماء! كانا يناقشان صعوبة وقوع أحدهما في حب الآخر بينما مصاص الدماء الذي اجتذبته رائحة دم الفتاة، يحاول جاهداً منع نفسه من قتلها حالاً!".
4- أما خالد حسيني فلم يرَ شيئاً في منامه، بل رآه في نشرة الأخبار على شاشة التلفاز فألهمه "عداء الطائرة الورقية" يقول الكاتب الأفغاني الشهير: "كنت أشاهد خبراً في ربيع 1999 وكان هذا الخبر عن طالبان. وكان يتحدث عن كل ضروب الاستغلال والقوانين التي فرضوها على الشعب الأفغاني، وفي نقطة معينة من التقرير ذكروا أن طالبان حظرت رياضة تطيير الطائرات الورقية الأمر الذي ضرب على وتر حساس في شخصيتي. فعندما كنت صغيراً ترعرعت في كابول مع كل أبناء عمي وأصدقائي نلعب بالطائرات الورقية! لهذا جلست وكتبت قصة من 25 صفحة عن ولدين في كابول يلعبان بالطائرات الورقية. وفي آذار من عام 2001 أعدت اكتشاف هذه القصة القصيرة بين أوراقي فأعدت كتابتها وتوسيعها لتصبح رواية "عداء الطائرة الورقية".
5- أمضى آرثر غولدن عدة أشهر يعمل على كتابه "مذكرات فتاة الجيشا" لكن فرصة لقاءه بفتاة من فتيات الجيشا قلبت الرواية التي كتبها رأساً على عقب. يحكي غولدن: كنت أعيش في اليابان وقد قابلت أحد الزملاء ممن كانت أمه من فتيات الجيشا، كما قرأت العديد من الكتب عنهن لكن الفرصة التي أتاحت لي مقابلة فتاة منهن ساعدتني كثيراً لأدرك أن ما كتبته أول مرة كان مليئاً بالأخطاء، فرميت المسودة الأولى بأكملها ورحت أعيد كتابة كل شيء من البداية. لقد أخبرتني بالأشياء التي لا تحكيها فتيات الجيشا لأحد وهي الأشياء التي لا يريدون أن يعرفها الناس عن عملائهن. فالرجال الذين يذهبون إلى بيوت الشاي لقضاء أمسية لطيفة لا يودون أن يقرؤوا عن ذلك في أخبار الصباح!
6- استمد كازوو إيشيغيرو شخصية بطل روايته "بقايا النهار" الحائزة على جائزة البوكر، من نكتة روتها زوجته: "بدأت القصة بمزحة قالتها زوجتي عندما كنا ننتظر صحفي سيأتي ليجري معي مقابلة حول روايتي الأولى، فقالت زوجتي: ألن يكون الأمر طريفاً لو جاء هذا الشخص ليطرح عليك أسئلة جادة حول روايتك فتدّعي أنك رئيس الخدم عندي؟ ضحكنا حينها، ولكني بقيت مشغولاً بفكرة رئيس الخدم!
7- روالد دال بنى أحداث إحدى رواياته على فكرة كتبها في "كتاب الأفكار" وهو كتاب احتفظ به طوال حياته وكان يسجل فيه أي فكرة تخطر بباله. ومرة أعاد قراءة إحدى تلك الملاحظات بعد سنوات طويلة عندما كان في السادسة والستين من عمره ليكتب رواية جديدة بوحي من تلك الملاحظة!
8- استغرق ماركوس زوساك في روايته "لصة الكتب" سنوات طويلة من التفكير والمسودات، لكن ومضة الالهام كانت عندما خطرت له فكرة أن يجعل الموت هو الراوي: "كانت فكرة جيدة بالنسبة لرواية تجري في زمن الحرب أن يكون الموت هو الراوي فهو الشخص الوحيد الذي يتجول في كل مكان وهو الوحيد الذي يستطيع أن يروي ما حدث. في البداية صورت الموت كشخص شرير ومستمتع بعمله، لكن بعد عدة أشهر من الكتابة شعرت أني غير راض عن بعض الجوانب لذلك تركت الكتاب جانباً لبعض الوقت، حينها خطرت لي الفكرة الملهمة، أن الموت يجب فعلا أن يكون خائفاً منا! المفارقة هنا مثيرة للغاية.. الموت في هذه الرواية ليس شخصاً مخيفاً يرتدي ملابس سوداء ويحمل منجلاً يحصد فيه أرواح البشر، إنه متأفف أيضاً من شرور البشر وظلمهم لبعضهم البعض، إنه ضحية أيضاً، لهذا نجده يقول: "البشر يطاردونني!.. عند هذه اللحظة بدأت بالكتابة ولم أقف أبداً بعدها!".
9- جورج أورويل استلهم أهم أعمال القرن العشرين "مزرعة الحيوان" من مشهد ولد صغير يسوط حصاناً. يقول أورويل: "لقد أذهلني الأمر حينها وفكرت أنه فقط لو أدركت تلك الحيوانات قوتها لما كان لنا عليهم أي سلطان، وأن الإنسان يستغل الحيوانات بنفس الطريقة التي يستغل بها الأغنياء العمال".