الشعر والغناء في ضوء نظرية الرواية الشفوية
الشعر والغناء في ضوء نظرية الرواية الشفوية
راجت في السبعينات نظرية أطلق عليها "نظرية الرواية الشفوية للشعر الجاهلي". وهي نظرية تهدف إلى إخضاع الشعر الجاهلي لمعطيات البحث العلمي في الميادين الشعبية ونتائجه، وقد قام فضل بن عمار العماري بمتابعة إصداراتها وما أثير حولها من نقاش، وحاول أن يدرسها دراسة تغطي ما أمكنه من جوانبها المختلفة. ومن الغريب أن جذور هذه النظرية كانت معرفة عند المستشرقين الأوائل، خاصة وليم ألواردت، الذي كثيراً ما كان يشير في كتاباته إلى ظاهرة التشابه بين الشعر الهومري والشعر الجاهلي. وجاء طه حسين ليجعل أساس نظريته في الشك في هذا الشعر، هو هذا التشابه، خاصة التشابه، بين هومر وامرئ القيس. ولكن أصحاب هذه النظرية رابطوا بين الاتجاه القديم عند ألورادت وطه حسين، والاتجاه الحديث الذي يخضع كل شعر مر بمرحلة الأمية والارتجال إلى علاقات مترابطة بالأشعار عند الأمم البدائية المعاصرة، أو عند الشعوب التي كان الإنشاد والارتجال والغناء حياً بينهم إلى وقت قريب. ومع أن مواقف الغربيين قد تكون مقبولة إلى حد ما، مهما كان تفسير دوافعهم إلى ذلك، فإن موقف عبد المنعم الزبيدي موقف ليس من الواضح تفسيره. فلقد اندفع الزبيدي في حماسة شديدة نحو قبول كل أطروحات هذه النظرية، ومع أنه حاول نسبة تبنيها لنفسه، فإنه بلا شك كان مأخوذاً بنتائجها، لأنه يعترف أنه ابتدأ يعمل فيها منذ سنة 1976م، وكانت تلك النظرية ذائعة بين الأوساط الأدبية، على الرغم من أنه ادعى أنه تكونت له قبل ذلك بسنين. ونتيجة لهذه المواقف جميعها، ولما تثيره تلك النظرية من تساؤلات، تجمع لدى المؤلف موضوعات هذا الكتاب في محاولة لتقويمها واتخاذ موقف نقدي منها، وذلك وفق التسلسل التالي: الرواية الشفوية في آثار الدارسين: وتشتمل على أهم الآراء التي ناقشت الأطروحة منذ صدورها في الدوريات الأجنبية المختلفة. وعلى الرغم من تحمس بعض الدارسين لها، فإنها لم تحظ باقتناع تام عند كثير ممن تناولوها. وكان المأخذ عليها أنها كانت تقفز إلى النتائج بعيدة عما هو في إطار حقيقتها. ولكنهم مع ذلك رأوا فيها ثمرة جيدة من ثمرات الجهد الذي أحرز بعض التقدم الخاص في مفهوم "القالب الصياغي". الغناء والتغني: وهو يناقش مفهوم الغناء والتغني بالشعر، ومدلولات مفردات: الغناء، الحداء، الرجز، الإنشاد... الخ، كما يحاول بيان علاقة ذلك بالغناء عند الأمم الأخرى كما هو معروف عند الشاعر-المغني. القالب الصياغي: وحيث إن أهم ركيزة لنظرية الرواية الشفوية، هي انتشار "القوالب الصياغية" مما يؤدي إلى النتيجة التي يسعى إليها أصحاب هذه النظرية، وهي العمومية ومجهولية القائل أو اختلاطه، فإنه كان لزاماً النظر في مدى انطباق ذلك على نصوص من الشعر الجاهلي. ولهذا تم جمع نصوص في موضوعي الناقة والثور الوحشي، وهما موضوعان تراثيان جداً، وتبين من دراستهما أن هناك تشكيلات متشابهة وصياغات تقترب من بعضها ولكن ذلك لم يخف شخصية القائل ولم يلغ الكشف عن لمساته الفنية. الغناء البدوي في الشعر الجاهلي والشعر النبطي: ومن منطلق كون الشعر الجاهلي شعراً شعبياً، وأن هناك تشابهاً أيضاً بينه وبين الشعر النبطي، كما رأى مونرو والزبيدي، فقد عمد هذا الموضوع إلى دراسة هذين المفهومين في هذين النوعين من الشعر، وبين الفروقات الجوهرية بينهما، سواء من حيث استعمال اللغة أو من حيث الإيقاعات التي يخضعان لها. بل إنه حاول أن يأتي بمراجعة لما قيل عن الغناء باللغة الفصحى في الصعر الجاهلي بمصاحبة الآلات الموسيقية البسيطة. وإضافة إلى ذلك، بين الفرق بين نوعين مهمين من أنواع الشعر الشعبي في الجزيرة العربية وهما: الشعر النبطي والشعر الحميني. ترجمة من كتاب الشعر الملحمي لموريس بورا: وفي محاولة لإعطاء القارئ فكرة وافية عن الفن الملحمي والفن الشعبي، ثم إيضاح الطريقة التي كان يسلكها الشاعر -الرواية- المتجول، جاء هذا الفصل ليستخلص مجمل تلك الأفكار من أهم كتب هذه الدراسات، وهو كتاب "الشعر الملحمي" لمؤلفه موريس بورا. ولا شك أن الكتاب يعد عمدة في هذا الميدان، وقد اتكأ عليه زويتلر في كتابه المذكور هنا، اتكاء بالغاً. مع ملاحظة أن هذا الفصل لم يأت إلا بما يخص ما نتناوله في هذه الدراسة، ولم يتعرض إلى تفصيلات أكثر حتى لا يخرج الكتاب عن منهجه المحدد له. وبهذا التقديم والمناقشة لنظرية الرواية الشفوية، يصبح بين يدي القارئ، محصولاً وافياً، وهو حصيلة جهود عامة، أثارها البحث في ميدان الشعر الجاهلي وما زال يثيرها باستمرار.