تلبس الجينز ( 84 صفحه)
الطبعة 2 , سنة النشر 2009
تلبس الجينز
يستفيض القاص صالح الغازي في سردياته المنتقاة بعناية الوصف، وشغف البوح اللامع بغية تتويج الصورة الواردة في مخيلة السارد، لتتساوق الفكرة وراء الفكرة، إنضاجاً للخطاب، وإفصاحاً عما يعتلج بالذات من توارد تلك الحكايات الكاملة وغير المنقوصة. فالغازي يسم مجموعته بعنوان (تلبس الجنز) في إيماءة إشارية مقتضبة لنوع الخطاب الأنثوي الذي يعني فيه كثيراً، لرغبة ما في تحقيق معادلة إنسانية تكشف عمق الأشياء، وتناجز الحالة توقها للخلاص من منغصات كثيرة. القصص جمعت حكايات الصبى الذى يقدم على الزواج والصبية التى تتزوج فى سن صغيرة والموظف المسكين وهمومه والسيدة التى لا تتحقق أحلامها والسيدة الساذجة والاحتياج والخداع الذي يتعرض له الإنسان. القصة الأولى في المجموعة (خارج البيت لا يوجد أحد) تحنو كثيراً على الوارف من ظلال البهاء الذي تعكسه مشهدية وردية برع القاص في صنعها على هيئة وصف آخر لمتعلقات سيدة يعشقها البهاء، وتذيع مفاتن سترها للراوي الماهر في عكس صورت الماء على خدها الصقيل. تتواتر القصص في مجموعة (تلبس الجنز) على هذا الاستحواذ المكاني المنتقى بعناية حيث تظهر سيماء السرد في القصة الثانية بملامح امرأة تقف في مطبخها، حيث تعيد - كالمعتاد - رسم مباهجها القليلة، وأحلامها الكثيرة في رجل هده العناء، فيما القصة التي تليها تتكون على هيئة شجار اسري حول فتاة يافعة هدمت بأحلامها بيت أسرة عمره هاجس عرض طافح بالنزق. الزمان في قصص صالح الغازي بشكل عام يأتي على هيئة ضرب من سيرة امرأة عني الرجل في تفاصيلها، فقد تكون خاطفة على هيئة مصافحة عابرة، أو لفترة تحددها تداعيات الوجدان الضاج بالحياة، والبحث عن ألق السعادة. القصص ذات طابع أنثوي يسكن خلجات الراوي، فلا يجد بدا من أن يصور أكبر قدر ممكن من المواقف، ليعكس مدى شفافية الصورة وأثرها على القارئ، فمن العنوان ابتداء إلى القصص الواردة في المجموعة، واحدة تلوى الأخرى يخرج القاص (الغازي) مكنونه السردي بشكل مدهش وجميل يفضي غالباً إلى حكاية أرحب في الذات. يظهر للقارئ أن القاص عني كثيراً بلغة قصصه، فلم يشأ أن يستدرج أي وسيلة للسرد إنما أبقاها بشكل منظم وهادئ، يعكس وفق هذا التصور قدرته على البوح بما يريد، فهو الراوي الخارجي لكل قصة، إذ لم يعمد إلى أي حوار جانبي إنما وضع المشاهد على نحو ما يريد، دون أن يجعل للشخوص حضور قد يشق بإطالته المحتملة على المتلقي، فمن هنا تأتي أهمية الاقتضاب لديه قدر الإمكان لكي لا تتسع خصوصية السرد وتأتي بنتائج قرائية عكسية قد لا تكون محببة في السرد. الأفكار التي استخدمها القاص مبتكرة، ولها وجودها الإنساني، فقد عني كثيرا بتصوير الحالة الأسرية بغية أن يوظف المشروع الإنساني الأزلي لا سيما صراع الرجل مع المرأة، أو ما له صلة في هذا الباب، حيث عني في رسم تفاصيل المشاهد من خلال استخدامها كلغة استنطاقية لما قد تؤول فيه الصور فيراد من وراء هذه الموقف تسجيل رؤية آنية جديدة لحكاية ضاربة في القدم. صالح الغازي يؤسس للحكاية الاجتماعية قناة خاصة، تتجسد خصوصيتها في فعل ما يمكن فعله من أجل أن تسترد المرأة وجودها في المشهد الاجتماعي، فيكون القاص شغوفاً في مد حبال المفاجأة المدلاة في بئر المرأة العميق، لكي يستخرج لنا من أعماق طواياها ما تنز فيه من صور، وحكايات، ومواقف عمل على تسجيلها في هذه الإضمامة القصصية المتناغمة في تراسلها للذائقة. تتمتع القصص بنفس سردي قصير يؤصل لفكرة القصة الحديثة، حيث يبرع الكاتب الغازي في أن يستدرج أكبر وأعمق حكاية إنسانية إلى حيز صغير ومحدد من السرد من أجل أن يحقق شرطية القصة الحديثة.. تلك التي لا تقبل الاستفاضة، أو الترامي في عرض الصور والأحداث.
الزوار (602)