غداً هو يوم آخر باتجاه الموت..
أضيف بواسطة: , منذ ٦ أعوام
الوقت المقدر لقراءة التدوينة: 10 د


"من المستحيل أن "تحيا حياتك" دون أن يكون لك دفتر ملاحظات". هذا ما تؤكده سيلفيا بلاث عبر يومياتها المترجمة في 582 صفحة. ورغم صعوبة قراءة هذا النوع من الكتب قراءة كاملة ومتواصلة، إلا أنها تترك أثراً جميلاً عند قراءته على فترات طويلة ومتباعدة حتى، بل وقد تقرأها إلى جانب كتب أخرى، فتكون بمثابة خلفية من الموسيقا الهادئة التي تستمع إليها بلا وعيك. هذه اليوميات تقربك تماماً من عالم سيلفيا بلاث من أفكارها وأحلامها وطموحها وتدميرها اليومي لذاتها، تأنيبها المستمر لنفسها، خجلها من كسلها وغرورها وغيرتها وضعفها وكل ما يفكر فيه الإنسان والكاتب والفنان بينه وبين نفسه.

ولهذا قد يكون الأجمل من القراءة الأولى، التي قد يخالطها الملل والفتور، هو أن تعيد قراءة المقاطع التي قمت بتحديدها فقط أثناء القراءة الأولى، ليكون لديك نسخة جديدة ومختصرة من اليوميات.. إليكم نسختي:

 

 ***

قال. "سأسرّ لك بشيء: أنا أودّك، لكن لا إلى حد كبير. أنا لا أريد أن أودّ أحداً إلى حد كبير". صدمني ذلك، فقلت من غير تفكير، "أنا أودّ الناس إلى حد كبير أو لا أودّهم على الإطلاق. كان يجب أن أتوغل في الأعماق، أن أغرق في الناس، كي أعرفهم حقاً".

 

  ***


أجل، كنت متيمة بك، لم أزل. لا أحد من قبل ضاعف فيّ مثل هذا الإحساس الجسدي الشديد. انقطعت عنك لأنني لم أستطع تحمّل أن أكون هوى عابراً. قبل أن أمنحك جسدي، يجب أن أمنحك أفكاري، عقلي، أحلامي. وأنت لم تكن تملك أياً من هذه.

 

  ***


لو لم أفكر، لكنت أسعد أكثر، لو لم يكن لي أي أعضاء جنسية، لما كنت أترنح طوال الوقت على شفير الأزمة العصبية والدموع...


  ***


لو أستطيع فقط العثور عليه... الرجل الذي يكون ذكياً، ومع هذا جذاباً جنسياً ووسيماً. لو استطعت أن أقدم مثل هذه التركيبة، فلماذا إذن لا أتوقعها في رجل؟

 

  ***


كم هي معقدة وعسيرة على الفهم أعمال جهازنا العصبي. الرنين الكهربائي لجهاز الهاتف يسبب إحساساً بشيء متوقع في الجدار الرحمي، وقع صوته، الخشن، النشط والحميمي عبر السلك يهيج الجهاز المعوي. لو كانوا استبدلوا كلمة "حب" بكلمة "شهوة" في الأغاني الشعبية لكانت أقرب إلى الحقيقة.

 

 ***



الرجل المسكين، ما من أحد أكثر لطفاً منه. قد أعود يوماً مضروبة مثل كلب. لكن لا يهم طالما صنعت قصصاً من حسرتي في الحب، جمالاً من الحزن...

 

 ***

 

أنا أغار من كل من يفكر أفضل، يكتب أفضل، يرسم أفضل، يتزلج أفضل، يبدو وسيماً أكثر، يحب أفضل مني.

 

  ***


لماذا بحق الجحيم نشأنا في عالم الفراولة والقشطة، عالم الإوزة الأم الناعم، العالم الخرافي لأليس في بلاد العجائب، لأجل أن نُنهَك فقط حين نكبر في العمر ونغدو واعين بذواتنا كأفراد عليهم مسؤولية بليدة في الحياة؟

 

 ***


 

بك رغبة فيه، ومع ذلك تتذكرين: "حالما تمارس المرأة الجنس، لن تعود راضية".

 

 

  ***


أنا لا أؤمن بالله بوصفه نوعاً من أب في السماء. لا أؤمن بأن اللطفاء سيرثون الأرض: اللطفاء متجاهَلون ومسحوقون. يتعفنون في التربة الدموية للحرب، للأعمال، للفن، ويُفسدون في الأرض الدافئة تحت أمطار الربيع. أما الوقحون، طويلو اللسان، القساة، الحيويون، الثوريون، الأقوياء بالذراع والإرادة، هم الذين يدوسون بجزماتهم المعدنية النعل فوق أجساد صبورة ناعمة.

 

 ***



محبطة؟ أجل. لماذا؟ لأنه من المستحيل بالنسبة لي أن أكون إلهاً- أو رجلاً - امرأة شاملاً- أو شيئاً من هذا القبيل.


 ***


أنا أرغب في الأشياء التي ستدمرني في النهاية..

 

 

  ***


أنا لا أحب، لا أحب أحداً عدا نفسي. هذا شيء فظيع إلى حد ما للاعتراف به.

 

 ***


 

مشكلتي الكبرى، الناشئة من حبي الأناني والأساسي لذاتي، هي الغيرة. أنا أغار من الرجال- حسد خطر وخبيث يمكنه أن يفسد، كما أتخيل أي علاقة. هو حسد مولود من الرغبة في أن أكون فعالة وأقوم بفعل، لا أن أكون سلبية وأصغي. أحسد الرجل على حريته الجسدية بالعيش حياة مزدوجة- حياته المهنية، وحياته الجنسية والعائلية. يمكنني التظاهر بنسيان حسدي، لا يهم، إنه هنا، مغمّ، مؤذ، مستتر.

 

  ***


الأهم من كل شيء، هل يمكن لأنثى غيورة أنانية وغير واسعة الخيال أن تكتب شيئاً لعيناً جديراً بالاهتمام؟

 

  ***


أنا خائفة من أن حسية الزواج سوف تهدهد وتسكّن إلى حد السبات الخامل رغبتي في العمل خارج مملكة شريكي.

 

 ***


 

لم لا أحيا حيوات مختلفة، مثلما أجرب الأثواب لأرى أياً منها ملائماً أكثر؟

 

 

 ***


 

كي تكتبي عليك أن تعيشي.

 

  ***


ربما هو مولع بالنساء الرقيقات الشبيهات بالفراشة من النوع الحشري.

 

  ***


فلنعترف بالواقع: الخطر يكمن في رغبتي أن يكون رجلي المفضل نصف إله، ولأن من هذا النوع هم ليسوا كثراً، فأنا في الغالب أصنع بلا وعي رجلي الخاص بي.ومن ثم، أرتد إلى الشعر والأدب وألقى متعة بالغة فيهما حيث قيمة المكافأة ملموسة ومقبولة. أنا لا أفكر حقاً بعمق. بعمق حقاً. أنا أريد بطلاً رومانسياً ليس له وجود.

 

 ***


 

غداً هو يوم آخر باتجاه الموت

 

  ***


أنا أحب أن أشغل نفسي، أحب العمل بجهد وإلا سأشعر بنفسي، كما قلت، كسولة ومذنبة. هذا يثبت كم أنا ضعيفة في نواح معينة.

 

  ***


أسوأ عدو للإبداع هو الشك بنفسك.

 

  ***


إنما الغرباء وحدهم الذين يحبون بسهولة أكبر في هذا الزمن الصعب.

 

  ***


يمكنني الآن أن أفهم كيف تسلّم النساء أنفسهن طوعاً للفنانين.

 

  ***


اليوم رسالة جميلة من أمي ملأى بالحكم، شكوكية في البدء كما أنا دائماً، قرأت ما أصاب الهدف: "لو قارنت نفسك مع الآخرين، قد تصبحين مزهوة أو ناقمة- لأنه سيكون هناك دائماً من هو أعظم منك أو أقل.. وراء ضبط نفس حكيم، كوني رفيقة مع نفسك. أنت طفلة الكون مثلك مثل الشجر والنجوم، لك الحق بأن تكوني هنا".

 

 ***


 

ذات يوم سأكون ممتنة أنه كان لي سنتان، سنتان مغطاة تكاليفها من قبل الحكومة لأدرس وأقرأ ما أحب وأتعلم الفرنسية والألمانية وأسافر إلى الأقطار البعيدة. ذات يوم، حين أصعد متعثرة إلى فوق لأطبخ بيضاً وأطعم الطفل حليباً وأحضر العشاء لأصدقاء زوجي، سوف ألتقط بيرغسون، أو كافكا، أو جويس، وأشتاق إلى العقول التي فاقت عقلي وتفوقت عليه.

 

 

  ***


((بعد زواجها من تيد هيوز))

 

  ***


العيش معه كما لو كان رواية قصة مستمرة لي: عقله هو الأكبر، الأوسع خيالاً. من كل العقول التي صادفتها في حياتي. يمكنني العيش إلى الأبد في  بلدان عقله عقله النامية.

 

 

 *** 


اثنان غريبان صامتان. في طريق العودة يتصاعد شعور بالتعاسة، ننام منفصلين ونستيقظ كئيبين. وكل الوقت يتنامى الخطأ، يزحف، يخنق المنزل، يلف المناضد والكراسي ويسمم السكاكين والشوك، يغشي الماء بتلك الجرثومة المهلكة. يسقط ضوء الشمس بنشاز على العيون التي تنظر شزراً ويصبح العالم بين عشية وضحاها مشوهاً وحامضاً مثل ليمونة...

 

 

  ***


كل نظرياتي المرويّ فيها عن الزواج من كاتب تتلاشى مع تد: كما لو أنه النظير الذكوري المثالي لذاتي أنا: كل منا يعطي الآخر مدى أوسع للحياة التي نريد أن نعيش: لا نصبح أبداً عبيداً للروتين، للوظيفة المأمونة، للمال: بل للكتابة وعلى نحو مستمر، وبكل مسام مفتوح من مسامنا نجتاز العالم معاً ونعيش بحب وإخلاص. تبدو هذه مثالية مفرطة. لكني أؤمن حقيقة بأننا من دون بعضنا الآخر، سنكون مفسَدين في الترف، معشوقين ومدمرين من عشاقنا.

 

 

 

  ***


مرة أخرى أشعر بالهوة بين رغبتي وطموحي وبين موهبتي الحقيقية.

 

  ***


لم أجد أحداً مثله. أحداً يناسبني. أحداً يناسبني كلياً وهو كلياً الكائن الذكوري المكمل لي.

 

  ***


الشيء الوحيد الذي يمدني بأسباب الحياة، رغم أني لا أتمتع فيه بالامل، هو الحب العميق اللامتناهي الذي أحيا فيه. والتفهم الاستثنائي وتقريباً غير المحدود من قبل تد.

 

  ***


صحتي هي في صنع قصص، قصائد، روايات من تجربة: ذلك هو السبب، أو أكثر، لأنه خير لي أنني عانيت ومررت بالجحيم، ولو أني لم أمر بكل الجحيمات. لا أستطيع العيش لأجل العيش فقط: لكن لأجل الكلمات التي تقاوم التغيرات المتواصلة. لدي إحساس أن حياتي لم تُعش حتى كان هناك كتب وقصص التي تجعلها تعيش المرة تلو الأخرى في الزمن. نسى بسهولة كيف كانت، فأنكمش تحت رعب الهنا والآن، بلا ماض وبلا مستقبل. تفتح الكتابة عنوة مدافن الموتى والسماوات التي يختبئ خلفها الملائكة المبشرون. العقل يخلق ويحيك شبكته...

 

  ***


سوف أظل أكتب حتى أبداً بالتعبير عن أعماق ذاتي وبعد ذلك أنجب أطفالاً، وأظل أعبر على نحو أعمق. حياة العقل الخلاق أولاً، ثم الجسد الخلاق.

 

 

  ***


كل يوم، كتابة. ولا بأس إن كانت رديئة. سوف يأتي شيء. كنت مفسدة بالتدليل لأفكر أنه سيأتي قريباً جداً: دون عمل وعرق.

 

  ***


كل ما أستطيع فعله هو أن أقاتل، كل يوم، لأكون أفضل مدرّسة من اليوم الذي قبله. لو، بعد عام من العمل الشاق، الفشل الجزئي،، النجاح الجزئي في كتابة قصيدة أو قصة، أستطيع القول إني أشعر براحة أكثر، أملك ثقة بالنفس أكثر وبأني مدرّسة أفضل من اليوم الأول، أنجزت ما فيه الكفاية.

 

  ***


لا مزيد من الإذعان، التأوه، النواح: يعتاد المرء على الألم. هذا يؤلم. ألا تكون كاملاً يؤلم. أن تعذب نفسك بالعمل من أجل قوت يومك وامتلاك بيت، يؤلم.

 

  ***


مع هذا الشهر ينتهي بالنسبة لي ربع قرن عشت فيه في ظل الخوف: خوف من ألا أكون كاملة حسب فكرة تجريدية عن الكمال: في أحيان كثيرة كنت أقاتل، قاتلت وانتصرت، ليس الكمال، بل قبول نفسي بوصفي صاحبة حق في العيش وفق شروطي الإنسانية، الناقصة الخاصة بي.

 

  ***


أعيش في خواء منذ أكثر من نصف عام الآن، لم أكتب لأكثر من سنة. أصابني الصدأ. كم أتوق لأكون مثمرة من جديد. لأدع العوالم تدوّم في رأسي.

 

 

 

 

 

 


تدوينات أضيفت مؤخراً
بين الكتب والقرّاء