من هو اللامنتمي؟!
أضيف بواسطة: , منذ ٨ أعوام
الوقت المقدر لقراءة التدوينة: 6 د



يقول كولن ولسون في سيرته الذاتية "حلم غاية ما": "كانت نقطة الشروع لدي عندما بدأت كتابة (اللامنتمي) هو تفحص حيوات حفنة من رومانتيكي القرن التاسع عشر من الذين خبروا فترات من الغبطة الفائقة والرؤى التي غمرتهم بالتفاؤل والثقة ثم نهضوا صباح اليوم الثاني ليتساءلوا ما الذي يعنيه كل هذا الذي خبروه وانغمروا في أتونه؟ وأحسب أن الكثير منهم فقدوا عقولهم أو أنهوا حياتهم انتحاراً بعد أن انتهوا إلى القناعة الكاملة أن "الجواب إزاء الحياة هو لا" وأن الحياة في جوهرها مأساوية، وأن (برهات الرؤية) الملهمة التي أتيحت لهم مقدر لها أن تتبخر تاركة وراءها العدم ولا شيء سواه.. ص172: ترجمة لطيفة الدليمي

تكمن الصعوبة في قراءة كتاب كولن ولسون "اللامنتمي" في كونه يقرأ ويحلل الكثير من الأعمال الأدبية التي قد لا نكون قرأناها سابقاً.. لهذا سأقف هنا عند النتائج التي توصل إليها كولن ولسون في تعريفه لشخصية اللامنتمي، صفاته ومشكلاته وبعض ما اقتبسه من كلمات الأدباء كأمثلة على شخصية اللامنتمي:


1
اللامنتمي ليس مجنوناً.. إنه فقط أكثر حساسية من أولئك الأشخاص المتفائلين صحيحي العقول.
2
قدم نيتشه وكيركغارد فلسفة كان اللامنتمي نقطة انطلاقها، يقول كيركغارد إذا أردت أن تنفيني، ضعني ضمن نظام، إنني لست رمزاً حسابياً، إنني أنا".
3
"أعيش وحيداً، وحيداً تماماً، ولا أكلم أحداً إطلاقاً، لا آخذ شيئاً ولا أعطي شيئاً.." سارتر في "الغثيان"
4
اللامنتمي إنه يلاحظ الأشياء بحدة وأمانة أكثر مما يجب، إنه يسأل عن كل شيء. إلى أين سيقود ذلك؟ إنه لا ينفك يلاحظ الأشياء..
5
يقول اللامنتمي "إن حياة هؤلاء الناس هي مصادفات تعتمد على الحوادث، فإذا توقفت الحوادث، أي لم يحدث شيء فإنهم يتوقفون عن الكينونة".
6
اللامنتمي في "غريب" ألبير كامو:
إن لامنتمي ألبير كامو لا يفكر كثيراً، وليس لديه نبوغ، ولا مشاعر غير اعتيادية ليمنحها، بل إنه لا يملك شيئاً من المشاعر: "ماتت أمي اليوم أو بالأمس، إنني لست متأكداً" هكذا تبدأ قصة "الغريب"، حتى أننا لا نجد أي أثر للاستهجان الخلقي فليس هنالك ما يوحي بأن كامو يريدنا أن نلوم ميرسول على خموله التافه، أما الشيء غير الاعتيادي في ميرسول فهو أمانته، فعندما تسأله الفتاة أن يتزوجها يوافق في الحال ولكن عندما تسأله إن كان يحبها يجيب مباشرة بالنفي.. تنبعث هذه الأمانة من عدم الاكتراث لمسائل الشعور، إنه لا يعلق أهمية ما على أي شيء، فلماذا يكذب؟ وأمام عدم اكتراثه هذا لا يملك مستجوبيه إلا أن يعتبروه في منتهى الوحشية.
7
فان كوخ لامنتمياً!
ولد فنسنت فان كوخ في هولندا عام 1853 لقس بروتستانتي. وبدأ يرسم حتى بلغ التاسعة والعشرين. ولم تمر تسع سنوات على ذلك حتى أطلق على معدته رصاصة من مسدسه ومات في آب 1889.
قرر فان كوخ أن يدرس الرسم ، وأشعره هذا بشيء من القناعة لفترة من الزمن، إلا أنه تورط في حب فاشل آخر بعد أن فشل في إقناع حبيبته الأولى من الزواج به، وكان فشله هذه المرة من القسوة بحيث أنه فكر في الانتحار. وبدأت حياته بعد هذا تتخذ مظهر الرجل الوحشي الذي يثير الشك والانفعال في نفوس أولئك الذين يعيش معهم. وزار فان كوخ أقرباء الفتاة التي أحبها- وكانت ابنة عمه- ليقنعهم بتزويجها منه، فأخبروه بأنها لم تكن في البيت، إلا أنه استطاع أن يرى من ترتيب المائدة أنها كانت هنالك، وإنما غادرت مكانها حالما أعلن قدومه فمد فنسنت يده إلى شمعة قريبة وقال: "دعوني أراها طيلة المدة التي أستطيع خلالها أن أحتمل هذا الألم وهذا النار" واختطف أحدهم الشمعة، ثم سمحوا له برؤية الفتاة، إلا أنه لم يحصل على نتيجة مرضية من ذلك، وكانت تلك آخر مرة رآها فيها.
8
اللامنتمي حالته هي في الواقع كونه الوحيد الذي يعرف بأنه مريض في حضارة لا تعلم بأنها مريضة.
9
إن أولئك الذين يفشلون في التصريح بحرياتهم يلاقون كوارث مفاجئة، كالتحول إلى شكل أحط من أشكال الحياة، كمسخ كافكا!
10
اللامنتمي يخشى أن يموت وهو منزعج مخيب، لا يملك شيئاً عدا القليل من التجارب التي تشبع جزءاً قليلاً من رغباته لتحفزه على النهوض من فراشه في الصباح.
11
ندين بأول مثل على شخصية اللامنتمي للدكتور جونسون الذي نشرت قصته "راسيلاس، أمير الحبشة" عام 1759. يقول هذا الأمير: "يلوح لي دائماً أن للإنسان حاسة سادسة، أو قابلية أخرى بالإضافة إلى حواسه، يجب أن تطمن وتشبع قبل أن يكون سعيداً السعادة الكاملة". لقد شرح جونسون مشكلة اللا منتمي بهذه العبارة الواحدة. الذي يصل في النهاية إلى نتيجة مفادها: "لست أريد أن أكون سعيداً، وإنما أريد أن أكون حياً فعالاً".
12
يقول لورنس العرب: "الجاهلون والمخدوعون والسطحيون هم السعداء وحدهم بيننا".
13
قال ستيفن وولف: "لا طريق إلى الخلف.. وإنما إلى الأمام، أبعد في الخطيئة، أعمق في الحياة الإنسانية".
14
إن مشكلة اللامنتمي أنه لا يشتهي الحياة. وما دامت كل الفعاليات الإنسانية الأخرى تتصل بتلك التفاهة نفسها، فلماذا لا يجلس على القش ويموت؟
15
كانت أقوى أبيات تي اس اليوت التي رمز فيها إلى التفاهة هي تلك التي تضمنها كتابه الأول "بروفروك" عام 1917: "إنني أعد أيام حياتي بملاعق القهوة".
وأيضاً:
"هكذا ينتهي العالم
هكذا ينتهي العالم
هكذا ينتهي العالم
لا برجة عنيفة، وإنما بنواح خافت..."
ت. س. اليوت
16
كان شوبنهاور قد قال لأحد أصدقائه وهو لم يبلغ العشرين بعد: "الحياة محزنة جداً، ولهذا قررت أن أنفقها بالتأمل فيها".
17
لم يكن نيتشه ليتعدى الثامنة والعشرين حين وقف وحيداً، ما عدا اثنين ظل يحترمها وهما شوبنهاور وفاغنر، فكانوا ثلاثة رجال ضد العالم كله.. ولكن أي رجال!
18
إن هذا العالم الذي يولد فيه اللامنتمي هو دائماً عالم بلا قيم. إن هذا العالم، بالنسبة إلى الأهداف والشهوات التي يتصورها اللامنتمي، لا يمكن أن يسمى حياة، إنه تيار فحسب. وهذا هو سر شقاء اللامنتمي، لأن في البشر جميعاً شيئاً من فطرة القطيع، التي تقودهم إلى الاعتقاد بأن ما يفعله معظمهم يجب أن يكون صحيحاً. فإذا لم يستطع اللامنتمي أن يخلق قيماً جديدة تتمشى مع الشدة التي تتميز بها أهدافه، فإنه من الأفضل له أن يلقي بنفسه تحت عجلات الاوتوبيس، لأنه سيكون منبوذاً دائماً، ولن يناسب المجتمع قط.
19
يحدثنا تولستوي بشيء يوحي بسلوك اللامنتمي الكامل نحو البشر، فيقص علينا خرافة شرقية تدور حول رجل يتعلق بغصن يتدلى إلى هوة عميقة، لينجو من وحش مفترس في الأعلى، ومن وحش آخر في الأسفل، بينما يقرض الغصن جرذان، وبينما هو معلق هكذا ينتظر الموت، يلاحظ بعض قطرات من العسل على أوراق الغصن، فيمد لسانه إليها ويلعقها، وهذا هو الإنسان، الذي يتعلق بين احتمالي الموت العرضي العنيف، والموت الطبيعي الذي لا يمكن تجنبه، أما الأمراض "الجرذان" فإنها تسرع بالنهاية، إلا أن هذا الإنسان ما يزال يأكل، ويضحك من الممثلين الهزليين في السينما.. هذا هو الإنسان الذي يقول إن اللامنتمي عليل، لأنه لا يشتهي العسل!
20
"لا شيء أملكه يستطيع أن ينقذني.."
21
"نحن الفارغون
نحن المنخورون المختنقون
يتكئ أحدنا على الآخر.."
ت. س. إليوت
22
"ملاحظات من تحت الأرض" هي أول رواية رئيسية من روايات دوستويفسكي التي يعالج فيها مشكلة اللامنتمي، وأولها في الأدب الحديث أيضاً.
23
"وهكذا وصلنا إلى الاعتقاد بأن أفضل شيء يمكننا أن نفعله هو أن لا نفعل شيئاً قط- أي أن نغرق في استمرارية تأملاتنا." ايفان ستراود
24
شعار اللامنتمي "يجب أن أحصل على الانفراد الذي يمكنني من النظر في أعماق نفسي".
25
تعتبر "الأخوة كارامازوف" أعظم محاولة قام بها دوستويفسكي لبحث مشكلة اللامنتمي. يقول ايفان أحد الإخوة: "ما دام البشر جميعاً أشقياء، فماذا يستطيع الإنسان أن يفعل من أجلهم أكثر من أن يدعوهم بالحشرات، ويعترف بأنه واحد منهم؟".
26
إذا كنت تعيش حياة عادية كئيبة ليس فيها إلا ضغط قليل، فإنك تستطيع أن تعتبر اللامنتمي شيئاً لا يستحق الاهتمام دون أن تخشى شيئاً، أما إذا كنت مهتماً بالإنسان في حالاته المتطرفة، أو بالإنسان المشغول بأسئلته عن طبيعة الحياة بصورة شاذة، فإن كل جواب قد تسمعه من اللامنتمي جدير بانتباهك وملاحظتك الشديدين. إن اللامنتمي مولع بالسرعات الشديدة والضغط العالي، وإنه ليفضل أن يفكر في الإنسان الذي يبدأ شريراً جداً او خيراً جداً أكثر من تفكيره في المواطن الصالح الذي ينظر إلى كل الأمور باعتدال.
27
إن اللامنتمي ينظر إلى البشر دائماً باعتبارهم يمثلون الفشل، بل إنه ليشعر بأن كل إنسان عاش على هذه الأرض كان فاشلاً..
28
يلخص ولسون ما توصل إليه حتى الصفحة 245 من بحثه هذا فيقول: "دعنا إذن نلخص ما توصلنا إليه:
-    يريد اللامنتمي أن يكف عن كونه لا منتمياً.
-    إنه يريد أن يكون "متعادلاً".
-    إنه يريد أن يحصل على إدراك حسي حر.
-    يريد أيضاً أن يفهم الروح الروح الإنسانية وأعمالها.
-    يريد أن ينجو من التفاهة إلى الأبد، وأن تتملكه "إرادة القوة" من أجل حياة أكثر وفرة.
-    وفوق كل شيء فإنه يريد أن يعرف كيف يعبر عن ذاته، لأنه يستطيع بواسطة ذلك فقط أن يعرف نفسه وإمكانياته المجهولة.
-    إن كل مأساة لا انتمائية درسناها حتى الآن لم تتعد مأساة التعبير الذاتي.
-    ولدينا اكتشافان عن طريق اللامنتمي، يمكنهما أن يقودانا في بحثنا هذا:
-    1- إن خلاصه كامن في التطرف.
-    2- إن فكرة الخروج إنما تأتيه على شكل رؤى، ولحظات من الشدة..
29
"الإنسان مرتبط بكل شيء في حياته، مرتبط بالخيال، مرتبط بحمقه، مرتبط حتى بعذابه- بل إنه مرتبط بعذابه أكثر من ارتباطه بأي شيء آخر. ويجب عليه أن يحرر نفسه من هذه الروابط، لأن الارتباط بالأشياء والتميز بها يفسح المجال لظهور ألف "أنا" في الإنسان. يجب على هذه "الأنا" الكثيرة أن تموت لكي تولد "الانا" الكبيرة، ولكن كيف السبيل إلى موتها؟". غوردييف
30
"لا أملك شيء، لا أستحق شيء، إلا أنني مع ذلك، أريد شيئاً من التعويض". بطل هنري باربوس في "الجحيم"

تدوينات أضيفت مؤخراً
بين الكتب والقرّاء