القارئ أكثر سعادة من الكاتب!
أضيف بواسطة: , منذ ٨ أعوام
الوقت المقدر لقراءة التدوينة: 3 د


في كتابه "القراءة" يبحث الناقد الفرنسي "فانسون جوف" في العلاقة بين النص والقارئ، لم يعد الكاتب أو السياق التاريخي أو العمل نفسه هو مرجع الناقد في دراسة النص وإنما ما ينتج عن تأثير بين القارئ والنص. "للقراءة إذن كل الامتيازات، وللقارئ المكانة الأفضل لدى بورخيس ولذلك يصرح قائلاً: "فليفخر الآخرون بالصفحات التي كتبوا، أما أنا فأفخر بتلك التي قرأت". كما يؤكد بورخيس: أن "التاريخ الأدبي الوحيد الذي يعترف به هو تاريخ القراءة، فالقراءات هي التي تكون تاريخية، وليست الأعمال الأدبية، بحيث إن هذه الأخيرة تبقى دائماً هي نفسها، ووحدها القراءات تتغير مع الزمن، وقيمة الأعمال تتشكل من خلال القراءات". فالقارئ إذاً أكثر سعادة من الكاتب. ولذلك فلا وجود للإلزام في القراءة". والنص يصبح نصاً جيداً عندما يقرأه قارئ جديد. ففعل القراءة، نشاط متعدد، لا نبحث فيه عن المعنى الوحيد، والطريق إلى المعنى المتعدد، هو إعادة القراءة، كما يقول رولان بات.

ما الذي يحدث عندما نقرأ كتاباً؟

ما الأحاسيس والانفعالات التي تحدثها القراءة بدواخلنا؟ إن العلاقة مع النص تسمح في البداية بهذه التجربة الخاصة، التي يسميها ياوس "المتعة الجمالية"، "ففي حالة المتعة الجمالية تتحرر الذات بواسطة المتخيل من كل ما يجعل حياتنا اليومية واقعاً إكراهياً", فالوعي المخيل كما وضحه سارتر، يفتحنا بالفعل على إحساس مزدوج بالحرية والإبداع. ولكي ينجز ذلك، فإنه يصدر عن زمنين: "هدم" العالم الواقعي الذي تتخذ الذات إزاءه مسافتها، وتضع محله، إبداع عالم جديد، انطلاقاً من علامات الموضوع المتأمل فيه. فالقراءة إذن، تجربة هدم (أن نتحرر من الواقع) وردم (أن نوقظ بطريقة خيالية، وانطلاقاً من علامات النص، عالماً مطبوعاً باستيهاماته الخاصة) في الآن معاً.

فالقراءة باعتبارها تجربة جمالية، هي دائماً "تحرير لشيء ما، وتحرير من أجل شيء ما"، فمن جهة تخرج القارئ من صعوبات وإكراهات الحياة الواقعية، ومن جهة أخرى، تدخله في عالم النص، إنها تجرد إدراكه للعالم، فالقارئ المتأثر بانفعال بأبطال الرواية ينسى للحظة (أي لحظة القراءة) همومه وقلقه الوجودي. وفي الوقت نفسه فالفائدة المتحصل عليها من مصير الشخصيات التي تواجهه بوضعيات غير مسبوقة، ستغير من رؤيته للأشياء.

كتب أوسكار وايلد بأن حزنه الكبير في حياته هو موت "لوسيان روباميري في رواية "تألق المومسات وبؤسهن".

إن هذا الانطباع حول الهروب من الذات والانفتاح على تجربة الآخر يمكن تشبيهها بالازدواجية. هذا على الأقل، هو رأي اللساني توماس بافيل الذي من خلال تأملاته حول الطبيعة وحدود الخيال يسلم بوجود "أنا" فنية، تنوب عن الذات في عالم النص.

فالقراءة إذن سفر. دخول غير مألوف إلى بعد آخر. يغني التجربة في الغالب: فالقارئ الذي يترك، في البداية، الواقع كي يلج عالم الخيال، يعود في الأخير إلى الواقع وقد تزود بالخيال.

الطفل بداخلنا هو الذي يقرأ:

إن الطفل الذي كناه هو من يسمح بالاعتقاد وتصديق المحكيات الروائية. إنها مرحلة كان للخرافة فيها سيادة، حيث الظاهر والباطن لا يتميزان. فاعتقاداتنا الطفولية، التي تنشط في شروط ما، (من بينها وضعية القراءة) تحتوي اعتقاداتنا في مرحلة الرشد. فحالما نفتح رواية، فالطفل فينا هو الذي يولد من جديد. فالقراءة، بطريقة ما، تعني إعادة الارتباط مع معتقداتنا وأحاسيسنا في الطفولة. القراءة التي منحت لمتخيلنا، في السابق، عالماً لا نهائياً، تبعث هذا الماضي كل مرة نقرأ فيها قصة بطريقة نوستالجية.

يمكن لكلمة واحدة أن تبعث ماضياً: فعبر القراءة، يحيل النص كل واحد إلى تاريخه الحميم.

عبر التماهي مع الشخصيات، يكون القارئ قادراً على فهم حقيقة حياته الخاصة: فالقراءة، وهي تجعله يصل إلى إدراك واضح للغاية لوضعيته، تمكنه من أن يفهم ذاته بطريقة أحسن.

..

من كتاب "القراءة" لفانسون جوف

تدوينات أضيفت مؤخراً
بين الكتب والقرّاء