حيوانات مدهشة!
أضيف بواسطة: , منذ ٨ أعوام
الوقت المقدر لقراءة التدوينة: 7 د


سلسلة الحيوانات - Animal Series"؛ سلسلة علمية تهتم بالتاريخ الطبيعي والثقافي للحيوان، وتبرز أنواع سلالاته المختلفة وأماكن وجوده وتكاثره ودروة حياته الطبيعية، كما تلقي الضوء على أهم المعتقدات والأساطير والخرافات التي تكونت عبر التاريخ عن هذه الحيوانات.. قام "مشروع كلمة للترجمة" في هيئة أبو ظبي للثقافة بترجمة هذه السلسلة وفيما يلي بعض المختارات من أجمل ما ورد عن مختلف الحيوانات في هذه السلسلة:


البومة

البوم مخلوق يساء فهمه من قبل الإنسان، نتهمه بالكسل لأنه ينام طول النهار ويستيقظ ليلاً، ونكره صوته، لكن العلماء يؤكدون أنه مخلوق نشط ليلاً يعمل على تطهير الحقول من القوارض، كما أنه مخلوق خجول جداً لا يحبذ وجوده بجانب البشر، فمن الممكن أن يعيش الإنسان حياته دون أن يرى بومة.. وعند الإغريق تقترن البومة بالحكمة والحظ الحسن. بينما ارتبط البوم بالعديد مِن المعتقدات والخرافات القبَليَّة التي ما زالت بعض القبائل - حتى وقتنا هذا - يؤمنون بها؛ ففي "ترانسيلفانيا" ما زال مُزارعون يعتقدون أن المشي حول حقولهم عراة سيُرهب البوم ويَطرُدها، أما بأوروبا، ففي بولندا يعتقد أنه إذا توفِّيت امرأة مُتزوِّجة فسوف تتحول إلى بومة، وفي فرنسا إذا سمعت امرأة حامل صوتَ بومة، فسوف تُنجب طفلة، وفي ألمانيا إذا نعب بوم عند ميلاد طفل، فسوف يُعاني الرضيع حياة غير سعيدة، وفي إيرلندا إذا دخل بوم بيتًا، فلا بدَّ مِن قتله وإلا سيأخذ حظ البيت معه.


الفيل

أغرب الأشياء المتعلقة بالفيلة هو سلوكها الذي يقارب الحداد ومناورتها الغريبة للموت. فقد لاحظ كثيرون أن الفيلة تسعى إلى إحياء أفراد عائلتها المحتضرين، الأمهات أو الأبناء، وتلازم الجثة فترات طويلة أو تعودها مراراً، وأحياناً تغطيها بالتراب أو الأغصان، وكأن ذلك إيماءة دفن بدائية. فللفيلة حياة اجتماعية كاملة، حيث إن تنشئة الصغير عمل معقد بحد ذاته، فالتأديب واللعب والتعلم وتوفير الأمان تجتمع كلها في توازن دقيق. تستمر تربية الفيل حتى بلوغه سن المراهقة. وتعتبر هذه البنية الأمومية الجوهرية في عائلات الفيل أمراً حرياً بالاقتداء. وأياً كان تفكير المرء بصدد هذه المسألة فإن الرعاية الأمومية التي تبديها الفيلة قد تصل إلى حدود الإعجاز. روى الطبيب البيطري الباحث في شؤون الفيلة أنطوني هول مارتن، هذه الحادثة بين الفيلة العدانية في حديثة آدو الوطنية في أيامها الأولى:

أمضيت وقتاً كي تألفني الفيلة وتألف سيارتي. فعندما بدأت كانت تهتاج لمرآي ،ولكنها في غضون ستة أشهر باتت تفاجئني وتلمسني. وذات يوم كنت على مقربة من القطيع برفقة زوجتي وابننا الجديد، فقدمت ابني الأول إلى الفيلة الأم العجوز التي صرت على معرفة وثيقة بها، فتوارت بين الأحراش، وبعد بضع لحظات عاودت الظهور ومعها ابنها الجديد! فقد جاءت كي تريني صغيرها. أنا الآن عالم، وقد فكرت بتلك الحادثة ملياً فعجزت عن تفسيرها، كانت لحظة سحرية. جمعتنا أثناءها رابطة خاصة.

"إنها حيوانات بالغة الإنسانية في الواقع، بمعنى الذكاء والعاطفة وصفات إضافية قليلة أخرى".


الغراب

من الغريب جداً أن الناس لا ينتبهون أكثر إلى الغربان، وغالباً من يكون الجزء الأكثر من سبب تجاهلنا للغربان هو أنه ليس لدينا سبب نفعي للانتباه إليها. فهي تقع بين المخلوقات القليلة جداً التي تمكنت تقريباً من احتلال مساكن البشر نفسها في الوقت الذي تقدم لنا نفعياً، القليل جداً من الفائدة أو الضرر. وهي عادة ما تعطي انطباع اللامبالاة المهيبة، كما لو أنها تنتظر بصبر انتهاء عهد البشر. إن فائدتها الرئيسية بالنسبة للبشر، إن وجدت، هي كونها إشارة إلهية أو نذيراً بشكل عام.

اكتشف الباحثون أن الغربان مثل البشر، كائنات فردية بشكل خاص وقد ولدت لتتصرف بطرق لا يمكن توقعها. 

إن ذكاء الغربان، بالإضافة إلى الشارب حول مناقيرها والابتسامة الظاهرية هو ما يجعلها، بطريقة ما قريبة من البشر. وقد قال دايفيد كوامين، الكاتب المختص بشؤون الطبيعة إن كامل عائلة الغربان مليئة بسلوك استثنائي وعادات راسخة تستدعي تفسيرها وليس فقط من قبل علماء الطيور ولكن أيضاً من قبل الأطباء النفسيين. وتقوم نظريته على أن الذكاء الطبيعي للغرباء هو أكثر بكثير مما هو مطلوب لاستمرار الحياة في موقعها البيولوجي، والنتيجة هي أن الغربان تشعر بالضجر دائماً وتقوم باختراع ألعاب لتسري عن نفسها. بمعنى آخر، إن الغربان تشبه الأطفال الأذكياء في بيئة لا تشجع الانجازات الذكية ولا تقدرها.


الطاووس

إن الاختلاف بين فلاسفة الشرق وفلاسفة الغرب حول الطواويس واضح تماماً. فقد بجّل الشرق الطاووس لجماله واعتبروه مقدساً ويمثل صفات القوة أو الجمال. وهناك اعتقاد قائل بأن الطواويس تتسبب بالتناغم والابتهاج، وأن وجود ريش الطواويس في المنزل يساعد على حماية الطاقة في البيئة. أما في الغرب، فقد كان ينظر إلى الطاووس على أنه فارغ ومتغطرس، وقورن بالشيطان بسبب صوته، وشبه باللص بسبب أسلوب مشيته.

إن الميزة الأكثر إثارة لدى الطواويس هي قدرتها على نشر ريش ذيولها ليشكل قوساً ضخمة يتراوح عرضها بين 1،8 و2،1 متر، ثم تبخترها هنا وهناك وهي تهز ريشها وتعكس به الأضواء. إنه عرض يخطف أنفاس من يشاهده، مع أن أنثى الطاووس تبدو غير مبالية به. فالأنثى تتصرف وكأنها شاهدت ذلك العرض مرات عديدة من قبل، يوماً بعد يوم وأسبوعاً بعد آخر. وقد أثارت تلك اللامبالاة المتعمدة فضول المراقبين العلميين، بمن فيهم تشارلز داروين. فلقد قام العلماء في التسعينيات بمراقبة دقيقة لإناث الطاووس وكيفية اختيارها لشركائها، واستطاعوا أن يثبتوا أن تلك الإناث اللا مبالية والمشغولة ظاهرياً، هي أكثر انتباهاً بكثير مما تبدو عليه. فهي تختار شركاءها وتبيض كمية أكبر من البيض للذكور ذات الذيول الأضخم.

تمر سنوات ثلاث قبل أن يبلغ ذيل الطاووس طوله الأعظم ويكتسب ألواناً فاقعة وتبلغ بقعه الشبيهة بالعيون حجمها النهائي. وبعناية فائقة، تختار أنثى الطاووس بنظرتها الثاقبة أكثر الطواويس نضجاً وروعة، صارفة النظر عن تلك الأقل عمراً وبهاء.


الحمامة

قال ارخميدس: "الحمام نوع من الكواكر. فهو يرتدي اللون الرمادي. كما أنه ولد مطيع وعاشق أبدي، وأب حكيم. فهو يعرف جميع الفلاسفة، ويعرف بأن جميع البشر ضده. فقد تعلم عبر العصور فن الهروب. ليس هناك من حمامة قامت باعتداء أو انقلبت على من اضطهدها، وفي الوقت نفسه ليس هناك من طير مَهُرَ في تجنب مضطهديه مثله. فالحمام طائر يقظ وهش وعطر، سائب الريش طليقه، لذا ترغب الكلاب عن افتراسه. تحصنه ريشاته ضد الرصاص. يهدل الحمام لبعضه بعضاً بحب صادق، ويطعم بكل الانهماك صغاره الخبيئين المتدثرين، ويهرب من المعتدين بحكمة حقيقية. الحمام أفراده محبون، يعيشون ضد قوى المجازر ويتبنون الهروب حكمة لهم".


الجمل

والجمل يتشابه في كثير من خصائصه مع سيكولوجية العربي؛ فهو حيوان صبور، قادر على تحمُّل المشاق، ومصاعب بيئته الصحراوية، وهو أيضًا حيوان خجول، ذو حس مرهف للأصوات الجميلة، ولكن عندما يُستثَار من جانب أصحابه يصبح حيوانًا خطيرًا للغاية، متحفزًا للانتقام بأي وسيلة، وتتداول المجتمعاتُ البدوية مثلًا شائعًا عن الشخص الذي لا يسامح المخطئين في حقه؛ بأنه مثل الجمل "يعبِّئ العداوة".


الجرذ

في كتاب "الجرذان والقمل والتاريخ" يصف المؤلف "هانز زنسر" الجرذ، فيقول:"إن الإنسان والجرذ هما الحيوانانِ المفترسان الأكثرا نجاحًا حتى الآن؛ فهما قادران كليًّا على تدمير أنواع الحياة الأخرى، وليس لأي منهما فائدةٌ متناهية الصغر للفصائل الحية الأخرى.. وقد انتشر هذان الاثنان تدريجيًّا في الأرض، بصورة متوازيةٍ مع بعضهما، ودون أن يملِكَ أي منهما القدرة على تدمير الآخر، على الرغم من عدوانيتِهما التي لا تنتهي.. وعلى عكس فصائل الكائنات الحية الأخرى، فقد قام كل منهما بشنِّ الحروب على جنسه"!

فالجرذان ظلت على مدى القرون تمثِّلُ صورةً قذرة من القوارض التي تُسهم في انتشار الأمراض والأوبئة والطواعين، إلى جانب قيامها بسرقة الطعام، وإتلاف الممتلكات الخاصة، وأكل جُثَث الموتى، بل وساد الاعتقاد بضرورة إبادة تلك الحيوانات لدنسها، وتمثل أقصى تلك الشهوة والانحطاط الجنسي، ويشير "هـ.ب. لوفكرافت" إلى وجهة النظر القائلة بأن "الجرذ هو العنصر الذي يسبِّبُ الانحلال البشري... بل إنه يبدو وكأنه يمثِّلُ الشرَّ بحد ذاته"، بل يُعتقَد أن الجرذ يمثل - في حد ذاته - ذروة انحطاط التطور، يقول الكاتب: "لو تطور الإنسان نحو الأسوأ، فإننا لن نصلَ إلى القرد، بل إلى الجرذ".

وعلى الرغم من كلِّ هذه الصِّفات السلبية للجرذان، فقد استغلها العلماءُ كموضوع حيوي وأدوات حية للتجارِب العلمية؛ حيث أسدت الجرذان صنيعةً كبيرة للعلم في القرن التاسع عشر وما تلاه، ويرجع ذلك ربما لعدم اهتمامِ جمعيات حقوق الحيوان بهذه المخلوقات الوضيعة، وتشابهها في كثير من المظاهر مع البشر، حتى إن بعضَ العلماء وصَفها بأنها "ظل الإنسان"؛ حيث تتشابَهُ في كثيرٍ من أجهزتها العصبية والعضوية مع الإنسان، كما أنها تتميَّزُ بقدرة على المكرِ والسَّلب والنَّهب، وتدمير حياة الآخرين، مثل سلَفِها: الإنسان!

: "إن لدينا مكانًا لتصنيف الجرذ في المملكة الحيوانية، إلا أن أهميتَه تتجاوز تصنيفَه بما يفُوق حجمه بكثير، وكما وصفه بعض الكتَّاب، فإنَّ الجرذ هو توأمُ الإنسان، وتاريخهما المشترك حالكُ السَّواد".


الصقر

تُعَد صورة الصقر في التاريخ الإنساني من الصور التي ارتَبطت بمفهوم القوة والجُرأة والنَّبالة، وكانت رياضة الصيد بالصقور في العصور القديمة مقصورة على الملوك والطبقات النبيلة من المجتمعات الأوروبية، وما زالت رياضة الصيد بالصقور تَنال اهتمامًا بالغًا ومكانة رفيعة في بلاد فارس والخليج العربي، وقد دخَل الصقر في كثير من مفاهيم وثقافة الصناعات العسكرية؛ حيث اعتبِر من "المخلوقات الحربية"، ولسرعته الخارِقة في الانقِضاض والصيد والدوران والمراوغة؛ ارتبَط بعالم الطائرات المقاتِلة على وجه الخصوص، وليس أدل على قِيمة الصقر في التاريخ القديم والحديث من اتخاذه كرمزٍ بالِغ الدَّلالة في الهدايا الدبلوماسية بين مُمثِّلي الدول، حيث كان إهداء صقر من أحد الملوك لنظيره من أثمن الهدايا، وأجدَرها بالاهتمام والامتِنان.


النمل

"لا نشعر نحو النمل بالمقت الذي يتملَّكنا غالبًا تُجاه كثير من الحشرات الأخرى"، ويشبه النمل كثيرًا - في سلوكه الطبيعي وتنظيمه الاجتماعي، والواجبات المنوط بها داخل مُدنه ومستعمراته - عالم البشر، إلى حد جعل الكاتب الروماني "بليني" يقول: "إن النمل هو المخلوقات الوحيدة إلى جانب البشر التي تدفن موتاها بطقوس جنائزية"، ولعل هذه المنزلة التي حَظِي بها النمل، جعلته موضع التقدير والإجلال بين البشر، ومن الناحية الدينية كذلك نجد ذِكرًا للنمل في الأديان السماوية، فإحدى سور القرآن سمِّيت بسورة "النمل"؛ ارتباطًا بقصة تم ذِكرها في سياق السورة، جرَت بين نملة ونبي الله سليمان - عليه السلام - والتي تبيِّن جانبًا آخر من جوانب هذه الحشرة الذكية؛ حيث عنصر الحكمة، وتحمل المسؤولية الاجتماعية، ومدى التناغم، وسهولة التواصل داخل عالم النمل ذاته.

ولا عجب أن تربط الأساطير القديمة بين الفرق العسكرية الصارمة ومجتمع النمل، فمنذ قديم يحلم القادة العسكريون "بجيش يُشبه النمل عددًا وتنظيمًا، لا يتهرَّب من الواجب ولا يهرب من الخدمة العامة، ولا مكان فيه للكسول والجبان والمتسلل؛ إذ يلبي الجميع نداء الواجب بكل حماس"


الثعلب

يلاحظ انحياز التاريخ الثقافي ضد الثعلب؛ والذي دومًا كان يُنظَر إليه كلصٍّ ماكر وخبيث، وتسود معظمَ الثقافات الشعبية فكرةٌ عامة عن الثعلب، تَرمُز إليه كتجسيد لقوى بدائية تكون خيِّرة أحيانًا، وشريرة في أحايين أخرى. "كحيوانات غير قابلة للترويض، وكحيوانات أليفة لا يُمكِن الوثوق بها، ستبقى الثعالب دائمًا خارج نِطاق الثقافة الإنسانية، وستبقى دائمًا خارجة عن القانون".

تدوينات أضيفت مؤخراً
بين الكتب والقرّاء