الثقافة كسياسة ؛ المثقفون ومسؤوليتهم الاجتماعية في زمن الغيلان
رقم الايداع 9786144196700 , , سنة النشر 2016
الثقافة كسياسة ؛ المثقفون ومسؤوليتهم الاجتماعية في زمن الغيلان
الثقافوية، تعريفاً، شرح المجتمع والسياسة بالثقافة، وتقرير أن أحوالنا هي ما هي لأن ثقافتنا هي ما هي. وعلى هذه الأرضية النظرية، تضمر الثقافوية سياسة عملية قلّما يُصرّح بها، تضع التغيير الثقافي شرطاً لكل تغييّر آخر. وللثقافوية العربية تنويعتان، علمانية وإسلامية. تنزع الأولى إلى تفسير الاستبداد والتخلف بحالة الثقافة العربية اليوم، حالة قد توصف بأنّها ما قبل حديثة أو غير عقلانية، أو سلفية مندارة الوجه نحو الماضي، مع ميل راجح إلى ردّ الثقافة هذه إلى الدين، الإسلام. أمّا التنويعة الإسلامية فتقرر أن سوء أحوالنا اليوم يعود إلى تخلينا عن الإسلام، الذي هو هويتنا ومقوّم كياننا، وليس دين أكثرية محتملة بيننا فحسب.وفي السنوات الأخيرة، بعد الهجوم الإرهابي لتنظيم "القاعدة" في الولايات المتحدّة في 11 أيلول 2001 بخاصّة، تحقق للثقافوية العلمانية صعود عاصف، وجنحت إلى تعريف مجتمعاتنا المعاصرة بالدين، غير مكتفية حتى بتفسير أحوالها بالدين، مشاركة في ذلك التنويعة الإسلامية في رؤيتها المتمركزة حول الإسلام، وفي منهجها الذي يفسّر المجتمع بالعقيدة، وإن خاصمتها سياسياً. مجتمعاتنا إسلامية بمعنى جوهري عند الإسلاميين، الإسلام هويتها وروحها، فإن كانت ضعيفة ومهزومة اليوم فلأنها مستلبة الروح، مستكينة للغزو الثقافي الغربي، ومبتعدة عن حقيقتها ومنبع أصالتها، ومثلها تتمحور التنويعة العلمانية حول "الإسلام" فتراه حيثما تلتفت في مجتمعاتنا المعاصرة، وإن يكن هنا أقرب إلى روح للتعصب والطائفية و "التخلف"، وللتمييز ضد المرأة.وبينما لا حياة لنا إلّا به في عين الثقافوية، فإن حياة مجتمعاتنا مرهونة، بالأحرى، بتحجيمه أو فصله عن الدولة والسياسة "فصلاً نهائياً" (أدونيس) في عين التنويعة العلمانية. في الحالتين تغيب الأبعاد الاقتصادية والسياسة والاجتماعية والجيوسياسية والثقافية لأوضاعنا المعاصرة، هذا حين لا تفسّر هي ذاتها بـ "الإسلام"... وكما نلاحظ، ليست الثقافوية نظرية مفسّرة فقط، وإنما تتضمن سياسة عملية، تقرر مرة أن "الإسلام هو الحل"، وتوصّي مرة بالعلمانية أو العقلانية أو الحداثة مخرجاً من الاوضاع الراهنة غير المقبولة. وفي كل حال ترهن التغير السياسي والاجتماعي بتغير ثقافي يسبقه ويفوقه أهمية... وهكذا... يعمل المثقفون في حقل اجتماعي سياسي مستقطب، ويعرفون أن كلماتهم ونصوصهم توظّف ضمن هذا الحقل لتسويغ خيارات وانحيازات ومواقف سياسية أولها أثر سياسي مباشر [...].ضمن هذه المقاربات تأتي نصوص هذا الكتاب الثلاث عشر، موزّعة على ثلاثة أقسام كتبت بين عامي 2006 و 2015. يعتني القسم الاول بتعريف الثقافوية ونقدها. وفي القسم الثاني أربعة نصوص تناول فيها الكاتب جوانب من أعمال مثقفين سوريين وعرب. عبد الله العروي، وبرهان غليون، وجورج طرابيشي، وعزيز العظمة، ومحمد كامل الخطيب، وسليم بركات. وفي القسم الثالث أربعة نصوص أيضاً تهتم بجوانب المشكلة الثقافية في سورية والعالم العربي. وأخيراً فإن الكتاب كَـكل يشكّل مساهمة بأدوات الثقافة في الصراع الاجتماعي والسياسي السوري، وهو اعتراض على نصب سور فاصل بين الثقافة والسياسة، أو التذرع بتحايز الحقلين لتسويغ تخلي المشتغلين في مجال الثقافة عن مسؤولياتهم الاجتماعية والسياسية. في الوقت نفسه تنحاز هذه النصوص إلى استغلال الثقافة؛ ضدّ استتباعها للسياسة المباشرة الظرفية، وكذلك ضد ميل المثقفين إلى أن يشتغلوا سياسيين. الثقافة قوة سياسية بما هي ثقافة، بما هي شكل من أشكال العمل العام له شخصيته الخاصة وكرامته الذاتية.
الزوار (245)