تاريخ الكنيسة المفصل (ج3)
, سنة النشر 2015
تاريخ الكنيسة المفصل (ج3)
لا يستعمل الشرط الامتناعي في صيغة الماضي إلا عند فوات الأوان. فلو عرف لاون العاشر ولوثر مصير المستقبل، هل كان الأول يقدم على حرم الراهب الألماني، والآخر على مواصلة الصراع ضد رومة؟ أفما كانا قد توصلا إلى مجال للتفاهم؟ حتى لو افترضنا أن القطيعة التي حدثت في القرن السادس عشر قد انتهت، من بعض الوجوه، بتعمق ديني من قبل الطرفين وباغتناء ثقافي وفني، كيف لا تسيطر علينا، مع الرجوع في الزمن، موجة من الاكتئاب والدهش أمام ذلك القدر من عدم التفاهم والحرم والتقتيل الذي أحدثه الانفصال بين الكنيسة الكاثوليكية والمذاهب البروتستانتية؟ يا له من ارتباك! ويا لها من قدوة سيئة للذين ينظرون من الخارج إلى تاريخ غير معقول مسيحياً، لا بد من التصميم على وضع حد له.

من المهم، على كل حال، أن نعرف ماذا جرى وكيف وصلت الأمور إلى هنا، ومن هو لوثر ولماذا نبذ، وما هو التبرير بالإيمان وماذا كان يعني في نظر ذلك الزمن، إذ إنه، ولا شك، لا يمارس في أيامنا كما مورس في الماضي. إن معرفة التاريخ تعني هنا الصفاء ومحاولة التفهم.

انطلقت الدراسات التي تؤلف هذا الملف من أحدث الأبحاث ومن تجديد وجهات النظر المتواصل. فلا يعتقد أحد بعد اليوم بأن التمرد لابروتستانتي أحدثته فقط "تجاوزات" كنيسة النهضة. وفي المقابل، فإن شرح الإصلاح كما عبر عنه الماركسيون -وأنغلس بوجه خاص- الذين يولون الأهمية للأسباب الاجتماعية الاقتصادية ليس أكثر إرضاءً. فإن الحقيقة كانت أكثر تعقداً من أن يمكن حصرها في قيود تخطيطات انفرادية تهمل ما لظاهرة، هي دينية قبل كل شيء، من بعد لاهوتي. لم يعد أحد من الكاثوليك يعتقد اليوم بأن لوثر كان عميلاً للشيطان أو مهووساً ولا يعتقد أحد من البروتستانت بأنه كان ذلك "القديس الوردي الخدين والمقصب الشعر والأبوي المظهر والرقيق الكلام"، الذي تهكم عليه ل.فافر. فقد كان رجلاً من لحم وعظم، ومعرضاً لمواقف العنف وحالات الانهيار، ولكن إيماناً عميقاً كان يغمره دائماً. لقد كان رجلاً عبر عن القلق الذي يسيطر على نخبة زمنه المسيحية.

الزوار (267)