رءوف عباس - مؤرخ الشعب والوطن
, سنة النشر 2008
رءوف عباس - مؤرخ الشعب والوطن
نسيج وحده بين غيره أفاء عليه تعالى بخصال غريبة فى زماننا، غريبة فى مكاننا... كم من مآثر شاهدتها ومآثر حكاها بعضهم قبل رحيله، ومآثر أخرى حكاها بعضهم الآخر بعد رحيله.

معتد بنفسه يفيض كبرياء إذا ما مس أحدهم طرفا منها، عزوف عن الدنيا... أعراضها ومظاهرها، لا يسعى إليها وإن سعت إليه، بتحفظ منه من لا يعرفه، وهو بعض أهله إذا اقترب منه.

صريح إلى أبعد حدود الصراحة، مستقيم إلى أبعد حدود الاستقامة، أجهد خصومه فى تعقب زلة واحدة له، ولدينا مثال فى سيرته الذاتية... ما أجملها من سيرة ذاتية.

كان شديد الاقتراب من غيره، برغم من مسحة جهامة قد تعلو وجهه، شديد الحساسية تجاه الآخرين ومشاعر الآخرين، كريما معطاء، شواهد كرمه وعطائه أجل من أن تحصى وأكبر من أن تحصى، متواضعا بسيطا، يجد نفسه فى تواضع العلماء وبساطة العلماء.

كان قويا كأنه قد من صخر، صلبا عنيدا عند الملمات، نقيا كأنه النسيم فى أوان الربيع، قارئا متعدد القراءات متنوعها، أديبا تلمح فى سيرته الذاتية ذائقة حلوة كم هى تلك الذائقة حلوة، حكاء من الطراز الأول، يتملك منك حين يحكى حواسك كل حواسك. هو الشهامة بعينها، هو الرجولة والبطولة والأخلاق الندية، ينهض لنجدة المظلوم دون صرخة منه، يعطيه من صفاء نفسه وروائها ما وسعه، وكذا كانت حاله معى، حين حاولت طيور الظلام أن تنهشنى بليل حالك من ليالينا الحالكة، فصار يذكرنى بفارس من فرسان العصور الخالية، يصنع المعروف ويمضى، ثم يصنع المعروف ويمضى.
الزوار (165)