مختصر تفسير ابن كثير المجلد الثالث ( 724 صفحه)
مختصر تفسير ابن كثير المجلد الثالث
قيض الله جل ثناؤه -لكتابه العزيز علماء أتقياء، ومخلصين أوفياء، من أعلام الهدى، وأئمة الصلاح والدين، سهروا على خدمة القرآن العظيم وبذلوا قصارى جهدهم لتوضيح معانيه وبيان أسراره، وكشف دقائقه، واستخراج ما فيه من حكم وأسرار، وما احتوى عليه من روائع وعجائب، فكان منهم من سلك طريق الإيجاز، ومنهم من سلك طريق الإسهاب والإطناب، ومنهم من اقتصر على تفسير بالمأثور، ومنهم من جمع بين (الرواية والدراية) إلى غير ما هنالك من طرائق المفسرين وأساليبهم في القديم والحديث.
ولقد كان الإمام العلامة، الحافظ الثقة أبو الفداء (إسماعيل بن كثير) المتوفي سنة (774) هجرية في مقدمة هؤلاء الأئمة الأعلام من جهابذة المفسرين، وقد وضع تفسيراً للكتاب الكريم سمّاه (تفسير القرآن العظيم) وتفسيره هذا من خير كتب التفسير بالمأثور ومن أوثقها، وهو تفسير جامع بين (الرواية و(الدراية)... يفسر القرآن بالقرآن، ثم بالأحاديث المشهورة في دواوين السنة المطهرة بأسانيدها، ويتكلم على الأسانيد جرحاً وتعديلاً، فيبين ما فيها من صحيح وضعيف، وغريب أو شاذ، ثم يذكر آثار الصحابة والتابعين، قال السيوطي فيه: "لم يؤلف على نمطه مثله".

وإنا لنجد في عصرنا الحاضر ميل الناس إلى التزود من الثقافة الدينية، ولا سيما تفسير الكتاب الكريم، والسنة النبوية المطهرة، وكثيراً ما يسأل الإنسان: أي التفاسير أسهل منالاً، وأجدى فائدة للقارئ في الزمن القليل؟

ولما كان تفسير العلامة ابن كثير رحمه الله -على ما فيه من مزايا كريمة -لا ينتفع منه إلا الخاصة من العلماء، وذلك بسبب ما فيه من تطويل وتفصيل لأمور لا حاجة لذكرها، وبخاصة عند ذكر الآثار المروية، والأسانيد للأحاديث الشريفة، مع أن معظمها في كتب الصحاح وكذلك الكلام على هذه الأسانيد بالجرح والتعديل، وما فيه من خلافات فقهية لا ضرورة لذكرها، مما تجعل الفائدة منه قاصرة على فئة مخصوصة من طلبة العلم الشرعي.

لذلك فقد عزم "محمد علي الصابوني" على اختصاره، وتنقيته من الشوائب، استجابة للرغبة الملحة وبتكليف من "دار القرآن الكريم" ليعم به النفع، ويتحقق منه الفائدة المرجوة، علماً بأن اختصاره لا يعني إغفال شطره، وحذف كثيراً منه، بل إن ما قام به لا يعدو أن يكون حذفاً لما لا ضرورة له، من الروايات المكررة، والأسانيد المطولة، والآثار الضعيفة، والأحكام التي لا حاجة لها، وبقي روح التفسير كما هو، بثوبه القشيب، وجماله الناصع، وأسلوبه السهل الميسر، مع تمام الترابط والانسجام.

وقد سلك في منهج الاختصار لهذا التفسير الطريقة التالية: أولاً: حذف الأسانيد المطولة والاقتصار على ذكر راوي الحديث من الصحابة، والإشارة في هامش الصفحة إلى من خرّج الحديث مثل البخاري ومسلم وغيرهما. ثانياً: الآيات الكريم التي استشهد بها المؤلف، على طريقته في تفسير القرآن بالقرآن، أثبتها مع الاقتصار على مكان الشاهد منها، لأنه هو الغرض الأصلي من ذكرها. ثالثاً: الاقتصار على الأحاديث الصحيحة، وحذف الضعيف منها، وحذف ما لم يثبت سنده من الروايات المأثورة، مما نبه عليه الشيخ ابن كثير. رابعاً: ذكر أشهر الصحابة عند التفسير بالمأثور، كذكر ابن عباس وابن مسعود وغيرهما من الصحابة، مع تثبيت أصح الروايات المنقولة عنهم. خامساً: الاعتماد على أقوال مشاهير التابعين، المنقولة آراؤهم نقلاً صحيحاً وعدم ذكر جميع أقوال التابعين. سادساً: حذف الروايات الإسرائيلية، سواء كان غرض المؤلف الرد عليها، أو الاستشهاد بها على سبيل الاستئناس لا على سبيل القطع واليقين، إذ في الآثار الصحيحة ما يغني عن الاستشهاد بالروايات الإسرائيلية. سابعاً: حذف ما لا ضرورة له من الأحكام والخلافات الفقهية، والاقتصار على الضروري منها دون حشو أو تطويل
الزوار (301)