الحماية الإجرائية للحكم المدني من التناقض دراسة تحليلية تطبيقية مقارنة ( 370 صفحه)
الطبعة 1 , سنة النشر 2014
الحماية الإجرائية للحكم المدني من التناقض دراسة تحليلية تطبيقية مقارنة
إن موضوع الحماية الإجرائية للحكم المدني من التناقض له أهمية بالغة، من حيث أن الدعوى، بوصفها حقاً إجرائياً من خلاله يتمكن الفرد من اللجوء إلى القضاء للدفاع عن حقوقه وصيانتها، تنتهي عادةً بصدور حكم يكرس الحق قضاءً، ولكن المدعي لا يكفيه الحصول على حكم قضائي يكرس حقه، بل إن ما يرمي إليه فعلاً هو الحصول على الحق الذي اثبته له الحكم القضائي. واستناداً لما تقدم فإن الحكم القضائي لا يحقق غايته في تمكين المحكوم له من الحصول على حقه إلا إذا تمكن الأخير من تنفيذ الحكم جبراً بواسطة مديرية التنفيذ عند تخلف المحكوم عليه عن تنفيذ الحكم طوعاً. ولكي يتمكن المحكوم له من تنفيذ الحكم جبراً بواسطة مديرية التنفيذ، فأن الأمر يتطلب أن يكون الحكم خالياً من التناقض الذي يحول دون إمكانية تنفيذه. ولهذا يتعين على المشرع أن يحرص على منع أو إزالة التناقض، ذلك أن استحالة تنفيذ الحكم بسبب التناقض تحول دون إمكانية حصول المحكوم له على الحق الذي اثبته له الحكم القضائي. ولا نبتعد عن الحقيقة إذا ما قلنا أن ذلك بمثابة إنكار للعدالة ورد الخصوم إلى مبدأ العدالة الشخصية مع ما يستتبعه من اضطراب في العلاقات الاجتماعية. وتبدو خطورة المسألة عندما يتحقق التناقض لا على صعيد الحكم المدني ذاته، وإنما عندما يتعداه إلى حكمين، لأن هذا التناقض يجعل الحكمين المتناقضين ينفي أحدهما الأخر أي يهدم أحدهما الأخر، ومن ثم يستحيل تنفيذهما معاً، الأمر يؤدي إلى عدم استقرار حقوق الأفراد ومراكزهم القانونية، وهذا ما قد يدفعهم إلى العزوف عن اللجوء إلى القضاء نتيجة لعدم ثقهم بالنظام القضائي مما ينعكس سلباً على النظام القانوني بأسره. ولهذا فإن المشرع يحرص على توفير الحماية الإجرائية للحكم المدني من التناقض من خلال وضع قواعد إجرائية تهدف إما إلى منع التناقض قبل وقوعه (وسائل وقائية)، وإما إلى إزالة التناقض بعد وقوعه (وسائل علاجية). ويهدف هذا الكتاب إلى عرض تصور شامل للتناقض في الحكم الصادر في الدعوى المدنية، سواء أكان التناقض على صعيد الأسباب أم على صعيد المنطوق، وسواء أكان التناقض في منطوق الحكم ذاته أم بين حكمين مكتسبين لحجية الأحكام. كما يهدف هذا الكتاب إلى بيان مدى فعالية الوسائل التي اعتمدها المشرع في حماية الحكم المدني من التناقض، سواء أكانت تلك الوسائل تهدف إلى توقي التناقض قبل وقوعه أو كانت تهدف إلى معالجة التناقض بعد وقوعه بالفعل، أي بيان مدى فعالية الوسائل الوقائية والعلاجية في حماية الحكم المدني من التناقض. إن تناقض الأحكام يؤدي إلى اضطراب النظام القانوني وعدم استقرار الحقوق والمراكز القانونية، ويعمل على ضياع هيبة القضاء. لذا تحتم على المشرع أن يتوقع احتمالات حصول هذا التناقض ويعمل على الوقاية منه قبل وقوعه بوضع القواعد الإجرائية التي ترمي إلى وقاية الأحكام من التناقض. وهذه القواعد يطلق عليها الوسائل الوقائية من مشكلة التناقض، لأنها تهدف إلى منع التناقض قبل وقوعه. وإذا لم تفلح هذه القواعد في الوقاية من التناقض تعين على المشرع أن يلجأ إلى وسائل أخرى تهدف إلى معالجة هذا التناقض بعد وقوعه، وهذه الوسائل يطلق عليها الوسائل العلاجية لمشكلة التناقض. لأنها تهدف إلى إزالة التناقض بعد وقوعه. وهكذا يمكن تصنيف القواعد المتعلقة بالحماية الإجرائية للحكم المدني من التناقض بحسب ما إذا كانت تتعلق بتناقض محتمل الوقوع أم بتناقض قائم فعلاً إلى طائفتين متميزتين: الطائفة الأولى: طائفة القواعد المتعلقة بحماية الحكم المدني من التناقض المحتمل. وهذه القواعد ترمي إلى منع التناقض قبل وقوعه بالفعل، لأنها تهدف إلى تفادي التناقض قبل وقوعه، وبالتالي فهي تعد وسائل وقائية لأنها ترمي إلى وقاية الأحكام من التناقض. الطائفة الثانية: طائفة القواعد المتعلقة بحماية الحكم المدني من التناقض القائم فعلاً. وهذه القواعد ترمي إلى رفع التناقض الذي وقع فعلاً، لأنها تهدف إلى إزالة التناقض القائم فعلاً، وبالتالي فهي تعد وسائل علاجية لأنها تهدف إلى علاج هذا التناقض. وهاتين الطائفتين من القواعد تشكل في مجموعها الوسائل التي يعتمدها المشرع في الحماية الإجرائية للحكم المدني من التناقض، وهي وسائل وقائية ووسائل علاجية تقي الأحكام من التناقض سواء قبل وقوعه أو بعد وقوعه. فهي أدوات إجرائية تعمل على منع أو إزالة تناقض الأحكام. ولهذ فإن هذا الكتاب يروم الإجابة على جملة من التساؤلات المتعلقة بموضوع الحماية الإجرائية للحكم المدني من التناقض، وفي مقدمة هذه التساؤلات؛ مدى اعتبار تناقض الأسباب سبباً من أسباب الطعن؟ وهل نَصَّ المشرع العراقي على عيب تناقض الأسباب؟ فضلاً عن بحث القيمة القانونية لحجية الأحكام في ظل ترجيح الأحكام؟ وما هو المعيار المتبع في ترجيح الأحكام؟ أم أن الأمر هو ترجيح بلا مرجح؟ فهل يجري ترجيح الحكم الثاني على اعتبار أن الخصوم قد اتفقوا ضمناً على التنازل عن الحكم الأول سيما وأن بعض القوانين المقارنة أجازت التنازل عن الحكم صراحةً أو ضمناً؟ أم أن سكوت الخصوم وتقاعسهم عن التمسك بحجية الحكم الأول يعد تنازلاً ضمنياً عنه واعتباره كأن لم يكن ومن ثم يجري ترجيح الحكم الثاني؟ أم يجري ترجيح الحكم الأول على الثاني لتعلق الحجية بالحكم الأول ومن ثم لا يجوز قبول دليل ينقض حجيته؟ وما هي الوسائل الإجرائية التي اعتمدها المشرع لحماية الحكم المدني من التناقض؟ وما مدى فاعلية تلك الوسائل؟ وهل أن القواعد الإجرائية التي كرسها المشرع لمنع أو إزالة تناقض الأحكام تهدف إلى حماية حجية الأحكام من وقوع مخالفة لها أم أن حجية الأحكام هي التي ترنو إلى حماية الحكم المدني من التناقض؟.
الزوار (1216)