إن أهم ما يجب معرفته على المكلف ما ورد في القضاء والقدر والحكمة والتعليل، فهو من أسمى المقاصد، والإيمان به قطب رحى التوحيد ونظامه، ومبدأ الدين المبين وختامه، فهو أحد أركان الإيمان، وقاعدة أساس الإحسان، التي ترجع إليها، ويدور في جميع تصاريفه عليها. وقد نبغت طائفة في عصور الإسلام المتقدمة سميت بالجبرية زاعمة بأن الإنسان ليس له قدرة ولا استطاعة، وإنما الفاعل هو الله تعالى. والإنسان مجبور لا اختيار له في أعماله، وأنه على الطاعة والمعصية مجبور، وزعمت هذه الفرقة أنهم بذلك للسنة ناصرون، وللقدر مثبتون، ولأقوال البدع مبطلون، هذا وقد ألغوا مسألة التكليف، وحملوا ذنوبهم على الأقدار، وبرأوا أنفسهم من فعل الذنوب والأوزار. من هنا برزت ضرورة المعرفة في مسائل القضاء والقدر، والحكمة والتعليل، فكان أن اجتهد الإمام ابن القيم الجوزية من جمع هذا الكتاب في هذه المسألة لوقوع معرفتها في مرتبة الحاجة، بل في مرتبة الضرورة، كي يكون المسلم على بيّنة من صيحح القول وخطله، وكي لا ينحرف بعقيدته عن مذهب أهل السنة والجماعة الذي ارتضاه الله لعباده والرسول صلى الله عليه وسلم لأمته.