رجل مشحون بالندم
الطبعة 1 , سنة النشر 2013
رجل مشحون بالندم
ابراهيم حسو
في الإصدارالأخير للشاعر محمد عبيدو “رجل مشحون بالندم “، نصطدم بنصوص متحولة، متغيرة، هلامية إلى حد أنها تشبه تلك النصوص التي تقفز فوق اللغة أو تمتطيها غير آبهة بعواقب السقوط و الكسر. تدرّب عبيدو كثيراً على هذا الشكل التعبيري للكتابة الشعرية؛ إذ سبق أن اصدر، وفي زحمة تداخل الأشكال الشعرية، مجموعاته الشعرية التي حملت تلك التنويعات والتباينات التعبيرية، خاصة في “ تمارين العزلة “- 1999و أيضاً فيما بعد، إصداره “ارتباكات الغيم - 2004” إلى أن تحول هذا الشكل من الكتابة إلى نهج أو سلوك إبداعي سار عليه واعتاده. محمد عبيدو في إصداره الأخير، يحاول أن يغير نظام الكلمات، نظام الأشياء التي تدّرب على تصفيفها، نظام البديهيات الحياتية التي تسربت من بين يديه، دون أن تفرض على سلوكية كتابتها نمطاً أو شكلاً تعبيرياً معيناً، إن سمة التحولات التي تجري في نص “ رجل مشحون بالندم “ هي تحولات في بنية اللغة نفسها والعلاقات التواشجية التي تخلقها من هذه اللغة، و ربما يكون هذا النص من النصوص التي تترك فسحات واسعة للغة لتتغير وتمنح الكلمات طاقة إيقاعية داخلية متنامية وتدفقاً شعورياً لا حد له، و تكون حقلاً لزراعة رؤية أخرى لمفهوم الشعر عند جيل جديد ارتبطت مخيلته بصراع الصورة المتلاحقة السريعة، وجيل الخوف من سطوة وسلطة الماضي؛ جيل الخسارات والهزائم وأمراض الذات وتورّمها والقلق من المستقبل. إن ما كان يدوّنه جيل الثمانينات في دفتر أيامه، ما كان إلا صورة العالم المعذب الذي نعيشه اليوم، العالم الذي تمّرد على نفسه، فخسر كل شيء؛ نفسه والعالم. لقد اكتشف ذلك عبيدو عبر ممارسة حياتية لواقعه و ممارسة شعرية لرؤيته وفلسفته الذاتية. لدى محمد هموم ميتافيزيقية كما هي هموم جيل التسعينات وما تلاه، و يكاد يقترب من جيل ( جبران ) في بداياته و يبتعد ليكون أقرب لصقاً من رذاذ الصوفيين. إن كتابة “رجل مسكون بالندم” تلعب على أسئلة الصوفيين، الأسئلة التي تلح عليك، فلا تجد سوى أن تبحث وتتسلح بالمعرفة والتاريخ والفلسفة، السؤال عن قيمة الإنسان والحب والروح والوحدة، أسئلة الاغتراب الوجودي والشعري، حيث تلعب المتناقضات والثنائيات والتضادات نشاطاً في تسيير دفة النص وخلق ذاكرة مرادفة ومخيلة بارعة تضم موجودات الشاعر وأشياءه الخاصة وعلاقاته الحميمية المتذبذبة والعابثة : 
“ كمن يحصي خساراته 
أو كمن يحصي زمناً من الرغبات 
يأتيك بعذوبة 
العبث الغامض 
في ذكرى الفتنة العابرة 
يأتيك كالومضة 
ويحملك إلى الضوء 
ذريعة لإظهار هشاشة الكائنات” 

معظم نصوص “ رجل مشحون بالندم “ القصيرة شكلاً والطويلة نفسَاً، تمثل قصيدة الاعترافات أو السيرة الذاتية الشخصية وهي من النوع الذي يعتمد على الذاكرة البصرية المتوهجة وعلى إرجاع الزمن والبناء عليه، خاصة على صوره والدلالات التي تتركها بتقنية تنقل الكلام أو السيرة من رقعة نثرية إلى فسحات شعرية متحركة ومتموجة، وربما قصيدة “شقاوات صغيرة “، رغم غنائيتها ودراميتها، إلا أنها معنية بتوترات شعرية متفجرة تنقل الصور من سياق إلى سياق وتخلق حساسية البعد التصويري للأشياء والوقائع والإحداث: 
كرجل مشحون بالندم 
يعجبني ظلك بالليل 
البارد كالرخام 
صوتك المسرود بالريح 
يرن 
يفتح الأبواب 
ينسل كشعاع عسل . 

في قصائد محمد عبيدو تتشابك المواضيع والأفكار وتصبح النصوص مفتوحة على مجازات لا تحصى، يحضر الحب والمرأة مكان اليأس والغياب والصحراء و الفراق، مكان الحياة والاخضرار والتقّرب. أفكار بالجملة في نص لا يحتمل إلا ذاكرته الصغيرة وشؤونه المربكة؛ هو نص استذكار مليء بشكوى الشاعر وتمنياته، وهو الذي شارف الخمسينات من عمره “منذ رأيتك اختفت.. تجعدات كهولتي” 
لم يستفد نص محمد عبيدو من عيون الكاميرا وتقنياتها وهو الذي عاشر هذه العين و لمسها طوال اشتغاله في النقد السينمائي، و لم يكن هناك أي تفصيل في التقاط الصورة الشعرية من العين “المتحركة”، بل أخذت العفوية والبساطة محل البلاغة والحذلقة، وقادت النص إلى بر القارئ دون ارتباك أو التباس . 
محمد عبيدو- «رجل مشحون بالندم» 
منشورات وزارة الثقافة - دمشق 2012 
الزوار (1002)