إن تاريخ الأحكام القضائية هو التاريخ الحقيقي لحياة مجتمع الناس العاديين، إذ درجت العادة عند المؤرخين جميعاً أن يكتفوا بذكر الأحداث الكبرى التي تهز المجتمعات. أما الأحكام القضائية فكانت تصور قديماً مشاكل الناس ومعاناتهم، وهي تصور حديثاً تطور الفكر وإبداعه من أجل خدمة الحق. في كتاب قرارات مجلس الدولة الفرنسي أحكام قضائية تخص فعاليات اقتصادية وتجارية وصناعية وزراعية واجتماعية مهمة، من حيث تعبيرها عن تطور المجتمعات الفاعلة وتفاعلها مع القانون. يلهث القانون ليلحق بالمستجدات من النشاطات الطارئة فيعجز عن إيجاد حلول لها في نصه، فيأتي اجتهاد الحاكم بمعونة المحامين ليبتكر الحلول المناسبة. إن كتاب قرارات وأحكام مجلس الدولة يرينا بوضوح أن قدرة الجسم الحقوقي، بفرعيه المحاكم والمحامين، على توجيه الفكر القانوني في كيفية خدمة المجتمع عن طريق إيجاد حلول لنزاعات يتخاصم فيها أشخاص معنويون أو طبيعيون يمثلهم أمام المحاكم قانونيون كبار يضعون جميعاً أسس التشريع المستجد، حيث يستنير به أعضاء المجالس التشريعية على أنواعها ودرجاتها. وهكذا يكون هذا الكتاب صورة شبه سيناريو لمنطلقات التشريع القانوني في البلدان الديمقراطية: مشاكل، دعاوى، أحكام اجتهادية، مشاريع قوانين... الخ، تجديد في الفكر من أجل إحقاق الحق. وكل ذلك ضمن عملية متكاملة متسلسلة ومبدعة في خدمة المجتمع الراقي.