المفكرة الخضراء ( 152 صفحه)
الطبعة 1 , سنة النشر 2008
المفكرة الخضراء
نزلت الشقة كانت واسعة جدا, أنيقة, كاملة الأثاث, وخادمتها بتصرفنا. لم يكن العمل ممكنا فى ظل ظروف ذاك الوقت: قصف, رصاص طائش, حواجز ثابتة, وحواجز متنقلة.. وأخبار قاتمة حول المستقبل.. فى مثل هذا الواقع, أصابنا, أحيانا كثيرة, غثيان, وقلق ممرض, وإحساس بضرورة التقوقع: خوفا, وقرفا, وهروبا من... الإنسان... الآخر... أمسكت بكتاب من "مكتبة الإيطالي" صاحب البيت: صاحبة هنري ترويا, عنوانه: حركة حواء, ورحت أقرأ فيه قصصا قصيرة وأعود لأ رويها لزوجتى حين ينقطع التيار الكهربائي ونجلس إلى شموع منتشرة, لاصوت تلفزيون, لاصوت إنسان, لا حركة فى البيت, لا حركة فى الشارع... أقاصيص تشعر القارئ أنه يظلم نفسه إذا بقي بلا صديق, بلا محب, بلا قرين, بلا علاقة إنسانية ما.. تشعره أنه لا يمكن أن يحيا بلا الآخر, كانت الأقاصيص مثيرة فى مضمونها, وفي تناقصها مع حياتنا التى نعيشها, كنت أرويها, ثم نناقشها ونروح نفصل فى ثناياها مكتفين حلاوة العلاقة الإنسانية فى ظل الجحود والحقد والقتل.. طارحين الحلول الصغيرة لحياتنا البسيطة, "فنشرح" علاقتنا بالأهل والأصدقاء والجيران القدامى والجدد فى شقتنا المستعارة, نتسلى ونعبث مع الزمن الساري بين هدوء غير منتظر وقصف غير متوقع, وذات يوم, وربما كان يوما شبه عادي, أحسست فيه بوعيي كاملا, أمسكت بالكتاب هذا, و... نويت ترجمته, لأعلن عبر أقاصيصه "صوت ترويا", الذي ضممت إليه "صوتى" و "صوت زوجتي", وبكاء ابني واحتجاجه الطفولي, لأعلن لمن سيقرأ النص العربي لهذه الأقاصيص, أن الإنسان لا يمكن أن يحيا وحده, مهما بلغ منه الغنى, أو ادعاء الاكتفاء, أو الانقطاع القسري عن بيئته. والآن, مددت يدي لأوراقي تلك, ودفعتها إلى المطبعة, لأعلن ذلك الصوت الذي أخفيته طويلا, وإن كنت الآن والآخر أروي هذه الأقاصيص لأصدقاء وطلاب, لأفتش فى عيونهم عن بريق, اعتقدت يوما أنني وحدي كنت ألاحظه. أرجو أن تستمتعوا بقراءة هذه الصفحات, وأن ترووها للآخرين, ففى إعادة روايتها تقوى العلاقات الإنسانية وتستمر...
الزوار (1082)