عصفور من الشرق ( 191 صفحه)
الطبعة 1 , سنة النشر 2003
عصفور من الشرق

سمع الفتى ذات عصر صوت غنائها، ولعم أنها في حجرتها، فتجلد وذهب إلى بابها، وطرق طرقة خفيفة خجلة.. ففتحت.. وما إن رأته حتى عادت، فأغلقت في وجهه الباب في هدوء، بغير أن تلفظ كلمة!... فرجع الفتى أدراجه أحمر الوجه، من أثر تلك الصفعة وجلس إلى مكتبه، وأخفى رأسه بين كفيه!.. ومرت عليه ساعات أخرى، وفكر مرة أخرى: لو أنه استطاع فقط أن يكلمها ويفهمها؟!.. وحاول في اليوم التالي أن يعيد الكرة، فطرق بابها مرة ومرة... فلم تفتح له!... وتوسل إليها أخيراً، من خلف الباب أن تصغي إليه خمس دقائق، يخرج بعدها ولا يعود، بل إنه يعدها بترك النزل كله، والمضي بأمتعته إلى حيث لا تعلم، لكنه لم يتلق جواباً... فهي سماء صماء، لا يصل إليها دعاء، وهو عبد طريح على أرض الشقاء، قد ارتكب خطيئة لا غفران لها، ولا يدري ما هي؟!... وحدثته نفسه أحياناً بالثورة، وود لو تنقلب كل ذرة من ذرات حبه إلى قنابل، تتساقط محطمة ذلك الشيء الجميل، الذي كان يسميه "سوزى"!... ولكن، رباعية من رباعيات الخيام، وقعت فجأة تحت بصره، وهو يقلب الكتاب بين يديه، لاحياً حالماً: "إذا أردت أن تسلك طريق السلام الدائم، فابتسم للقدر إذا بطش بك.. ولا تبطش بأحد!...". نعم، فليبسم، على الرغم من كل شيء!.. حسبه أن قد ظفر بلحظة من هذا النعيم الذي كان يجهله!... نعم، إن تلك المرأة استطاعت أن تكشف له عن جانب من جوانب الجنة المجهولة في كيانه!... فليكن من أمرها ما يكون، فهو الآن يعلم بفضلها ما لم يعلم!... "جنة الأرض" التي أعطته مفاتيحها، وأذاقته رحيقها، ووضعت شفتيها إلى جوار شفتيه على حافة ذلك الكوب البلوري، من الكوثر الأرضي!!.. لكنها قد طردته؟... فما مصيره؟.. أيعود إلى السماء؟!... وترك مجلسه، واقترب من نافذته، وأطل منها على نافذتها السفلى، فوجدها موصدة، ولكن الضوء ظاهر من زجاجها، فهي في حجرتها ذلك المساء... لكن، كيف السبيل إليها؟... إن بابها المغلق في وجهه لا تخترقه صلاة، ولا يفتحه بخور!.

الزوار (1631)
نسخ مشابهة