أنت في اليابان "وبلاد أخرى" ( 319 صفحه)
الطبعة 1 , سنة النشر 1984
أنت في اليابان "وبلاد أخرى"
قالت لى المرشدة السياحية: هل ترى هذه البقرة؟ ونظرت. ثم اعتذرت بأننى لم أفهم. فبدلا من أن أنظر وراءها نظرت إليها هى. فهى قصيرة القامة بيضاء ممتلئة. كأنها بقرة هولندية. ووجهها مستدير وخداها كرتان من اللحم الأبيض.. ورأسها بطيخة نبت فيها شعر أسود فاحم.. ووراءها وجدت بقرة ضخمة أمام نافورة وسط حديقة جميلة. والأطفال الصغار زهور متحركة.. أو ابتسامات متناثرة.. ولهم أصوات الطيور.. ولو كانوا من المصريين لكان لهم دوى، ولكانت لهم مخلفات على الأرض. ولنزل بعضهم إلى النافورة وغرق.. ولجاء البوليس ودخل فى معركة مع الأمهات. وانتهى مثل هذا الموقف بأن سمعنا من يقول: وهذه النافورة ما ضرورتها.. إنها ضرورية فى البلاد التى لا يجدون فيها الماء، ولذلك فهم يحبون أن يتفرجوا عليه.. ونحن بفضل الله عندنا النيل والبحيرات والبحر الأبيض والأحمر.. والمياه الإرتوازية والسد العالى وعيون موسى وعيون الصيرة؟! أما البقرة فقد تكاملت صحة وعافية وجمالا وقوة. ولكن أحداً لا ينظر إليها قالت المرشدة السياحية فى سنة 1850 ذبح اليابانيون أول بقرة، حفاوة بالقنصل الأمريكى! فلم يكن من عادات الشعب اليابانى أن يأكل اللحوم. إنهم يأكلون الأسماك والأرز وبقية النباتات الموجودة فى الحقول -تماماً كأهل الصين.. ولذلك فقد أقام اتحاد الجزارين فى اليابان تمثالا للبقرة.. أى أول ذبيحة فى اليابان! ولم يعرف اليابانيون أكل اللحوم، وعادات غيرها كثيرة، إلا بعد اختلاطهم بالشعوب الأخرى... واليابان جزر صغيرة ضيقة معزولة عن الدنيا. فلأنها صغيرة، فأهلها لا يتركونها ولأنها منعزلة، فأهلها انطوائيون، ثم إنهم يكرهون الأجانب ولأنها ضيقة و الشعب كثير (150 مليوناً) فهم يستخدمون كل شبر من هذه الأرض، مرة بالعرض ومرة بالطول. ولو شاءوا لعاشوا تحت الأرض وتحت الماء ولسي ذلك بعيداً. ثم إن ثرواتهم محدودة. ومواردهم الطبيعية قليلة. ولذلك يحسنون استخدام ما لديهم. ثم إنهم يستوردون كل الذى ينقصهم من الخارج: الحديد والنحاس والفحم والبترول والخردة ومخلفات الورق والأعشاب البحرية.. إنها البلاد التى تقدمت على الدنيا كلها فى ثلاث خطوات: التطوير. والتصغير.. والإتقان.. فاليابان حقيقة لكل عين وكل عقل وكل قلب.. متعة للسائح والباحث والتلميذ.. ثم إنهم مشغولون تماماً عن كل الذى يقوله الناس عنهم.. إنهم. لا ينظرون وراءهم، إنهم يلقون بأنفسهم على المستقبل بقوة وجمال وبمنتهى الدقة.
الزوار (750)